ورجوع القهقرى. . الله أكبر، فتح الله ونصر، غلب الله وقهر، وأذل الله من كفر».
والخطبة طويلة، وقد اكتفينا منها بهذه الشظايا الرائعة التى تصور فرحة السلمين بهذا الفتح المبين والنصر العظيم، وكأنما عادت المعجزة النبوية وأيام بدر وفتوح الشام ومصر والقادسية وهجمات خالد والصحابة الأولين، وما النصر إلا من عند الله.
مؤلف هذا الكتاب الطريف ابن (?) غانم عبد السلام بن أحمد المقدسى الواعظ المشهور لزمنه المتوفى سنة 678، والكتاب فى 30 صفحة، ذكر فى مقدمته ما يفصح عن موضوعه قائلا:
«قد وضعت كتابى هذا مترجما عما استفدته من الحيوان برمزه، والجماد بغمزه، وما خاطبتنى به الأزاهير بلسان حالها، والشحارير عن مقار ارتحالها. وسميته كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار، وجعلته موعظة لأهل الاعتبار، وتذكرة لذوى الأبصار والاستبصار». ويقول إنه خرج يوما ليتأمل فى الطبيعة وأسرارها، وانتهى إلى روضة رقّ نسيمها وغنّى عندليبها، وكان وحيدا وأخذ كل ما حوله يخاطبه بلسان الحال دالا على القدرة الإلهية وحكمة الله فى خلقه وعظيم صنعته، وسجل من ذلك عظات بليغة على ألسنة الأزهار ثم ألسنة الطير ثم ألسنة الحيوان. وبدأ بالنسيم رسول كل محب إلى حبيبه، وحامل شكوى كل عليل إلى طبيبه، ثم تركه إلى الأشجار وأحد عشر نوعا من الأزهار استهلها بالورد قائلا على لسانه «أنا الضيف، فاغتنموا وقتى فالوقت سيف، أعطيت نفس العاشق وكسيت ملاحة المعشوق، وأنا الزائر وأنا المزور، ومن طمع فى بقائى فإن ذلك زور، ثم من علامة الدهر المكدور، والعيش المحرور، أنى حيثما نبتّ رأيت الأشواك تزاحمنى وتجاورنى، فأنا بين الأدغال مطروح، وبنبال شوكى مجروح. وهذا دمى على عندمى يلوح، وهذا حالى وأنا ألطف الأوراد، وأشرف الورّاد، فمن صبر على نكد الدنيا بلغ المراد».
وختم ابن غانم الكلمة بالعظة التى يريدها، وجعل الورد ضيفا على الطبيعة، لأن مدة بقائه فيها قصيرة، واستغل ما ينبت حوله من شوك ليدل على أن الدنيا مهما أذاقت الناس فيها من حلاوة العيش لا بد أن تجمع إليهم شيئا من مرارته فليست الدنيا وردأ خالصا ولا حياة لإنسان فيها دائما