مشرقة زاهية بل لا بد من ظلمة تغشاها، بل هى مزيج من خير وشر وأمل ويأس وسرور وحزن، وحرىّ بالإنسان فيها أن يصبر ويصابر حتى يبلغ مأموله. ويقول على لسان شجر البان الذى طالما ذكر المحبون فى لينه وتمايل أغصانه محبوباتهم.

«انظر إلى الورد وقد ورد، وإلى البرد وقد شرد، وإلى الزهر وقد اتّقد، وإلى الحبّ وقد انعقد، وإلى الغصن اليابس قد اكتسى بعدما انجرد، وإلى اختلاف المطاعم ومشربها قد اتحد، واعلم أن خالقها أحد، وصانعها صمد، وموجدها بالقدرة قد انفرد، لا يشاركه فى ملكه أحد، ولا يفتقر هو إلى أحد {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.}

وهى عظه بليغة على لسان البان، فالربيع أقبل، وأقبل الورد معه، وشرد الشتاء والبرد:

وأضاء الزهر بألوانه واتقد، وحب الثمار قد انعقد، واكتست الغصون بعد العرى وسقوط الأوراق عنها، ودبت فيها نضرة الحياة، وما أعظم قدرة الله فالنباتات والأشجار تسقى بماء واحد وتختلف ثمارها وطعومها بين حلو وحامض، وكل ذلك شاهد على قدرة الله التى لا يشركه فيها أحد، إنه واحد صمد ليس كمثله شئ وهو على كل شئ قدير.

وينتقل ابن غانم من الحكاية على لسان الأزهار إلى الحكاية على لسان الأطيار، ويستهل كلامها بكلام الهزار وهو طائر حسن الصوت متعدد الألحان وعلى لسانه يقول:

«أنا العاشق الولهان، أنا الهائم اللهفان، إذا رأيت فصل الربيع قد حان، تجدنى فى الرياض فرحان، وفى الغياض (?) أردد الألحان. . وأرقص على الأغصان كأن الزهر والنهر لى عيدان (?)، وانت تحسبنى فى ذلك عاتبا، لا والله العظيم ولست فى يمينى حانثا، أنا أنوح حزنا لا طربا، وأبوح ترحا لا فرحا، لا أجد روضة إلا نحت على اضمحلالها، ولا خضرة إلا تبلبلت على زوالها، لأنى ما رأيت قط صفوة إلا تكدرت، ولا عيشة حلوة إلا تمررت، فقرأت فى تمثال العرفان، كلّ من عليها فان».

والهزار فى أول العظة فرح بمقدم الربيع، وسرعان ما يفكر فى انتهائه، فيندب وينوح، إذ لا يجد روضة إلا وتضمحل بعد ازدهارها. ويتسع تفكيره حتى يشمل الحياة، فإذا كل ما فيها من صفاء لا يلبث أن تغشاه كدرة قاتمة، وكل ما فيها من عيش حلو لا يلبث أن ينقلب عيشا مرا، بل إن كل ما فيها هالك فان. وسعد من كتبت له السعادة، وشقى من كتب له الشقاء. وينتقل إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015