(ج‍) خطبة القدس بعد فتحه لمحيى الدين بن الزكى

أما الخطيب فهو محيى (?) الدين محمد بن الزكى على من سلالة عثمان بن عفان رضى الله عنه، كانوا قضاة فى دمشق، وكانت ولادته سنة 550، وكانت له عند صلاح الدين منزلة عالية، فلما صارت له حلب ولاه قضاءها، حتى إذا فتحت القدس، وكان محيى الدين حاضرا فتحها تطاولت الأعناق إلى الخطابة بها فى أول يوم جمعة، وأعدّ من كانوا فى حضرته خطبا بليغة يخطبون بها فى هذا اليوم واختار صلاح محيى الدين، فألقى خطبة ضافية ابتدأها بفاتحة الكتاب ثم تلاها بالتحميدات فى أول سور الأنعام والإسراء والكهف والنمل وسبأ وفاطر، ثم شرع فى الخطبة. وقال (?) فيها.

«الحمد لله معزّ الإسلام بنصره، ومذلّ الشرك بقهره، ومصرّف الأمور بأمره، ومديم النعم بشكره، ومستدرج الكفار بمكره، الذى قدّر الأيام دولا بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأفاء على عباده من ظلّه، وأظهر دينه على الدين كله. . أحمده على إظفاره وإظهاره وإعزازه لأوليائه ونصره لأنصاره، وتطهيره بيته المقدس من أدناس الشرك وأوضاره. .

أيها الناس أبشروا برضوان الله الذى هو الغاية القصوى، والدرجة العليا، لما يسره الله على أيديكم من استرداد هذه الضالّة (?)، من الأمة الضالة، وردّها إلى مقرها من الإسلام، بعد ابتذالها فى أيدى المشركين قريبا من مائة عام، وتطهير هذا البيت الذى أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه، وإماطة (?) الشّرك عن طرقه بعد أن امتد عليها رواقه واستقر فيها رسمه. . ولولا أنكم ممن اختاره الله من عباده، واصطفاه من سكان بلاده، لما خصّكم بهذه الفضيلة التى لا يجاريكم فيها مجار، ولا يباريكم فى شرفها مبار. وهذا هو الفتح الذى فتحت له أبواب السماء، وتبلّجت (?) بأنواره وجوه الظلماء، وابتهج به الملائكة المقربون، وقرّبه عينا الانبياء المرسلون. .

فاحفظوا-رحمكم الله-هذه الموهبة فيكم، واحرسوا هذه النعمة عندكم بتقوى الله التى من تمسك بها سلم، ومن اعتصم بعروتها نجا وعصم، واحذروا من اتباع الهوى ومواقعة الرّدى،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015