إليهم على رأس جيش جرار واستولى على قيسارية ويافا وأرسوف وكان بها حامية من الإسبتارية الذين نذروا أنفسهم لحرب المسلمين. وفى العام التالى استولى على صفد وتبنين والرملة فى فلسطين. وتوالى هجومه عليهم واستولى على الشّقيف وطبريّة وبغراس والقصير وحصن الأكراد والقرين من حصون صفد وكان به حامية من الفرسان التيوتون. وأعظم أمجاده الحربية ضد حملة الصليب أخذه أنطاكية سنة 667 ويقال إن أسراها بلغوا مائة ألف وأن الغلام من أهلها كان يباع باثنى عشر درهما والجارية بخمسة. والمهم أنه محا هذه الولاية التى أقامها حملة الصليب فى أول دخولهم للشام. وبدا فى الأفق من حينئذ أن خروج حملة الصليب نهائيا من الشام أصبح قاب قوسين أو أدنى، وقد استولى منهم قلاوون فى سنة 686 على اللاذقية ولم يلبث ان استولى على طرابلس فى سنة 688 وبذلك أزال آخر إمارة أو ولاية لحملة الصليب، وسرعان ما سلمت بيروت وجبلة. حتى إذا تولّى بعده ابنه السلطان خليل جهز جيشا ضحما للاستيلاء على عكا واستولى عليها سنة 690 وتبعتها صور وصيداء وحيفا وأنطرطوس، وخرج من بقى من الصليبيين إلى البحر المتوسط وما وراءه يحملون الذل والضعة والهوان والصغار.
وقد قسم المماليك الشام إلى ست نيابات كبرى هى: دمشق وحلب وحماة فى سوريا وطرابلس فى لبنان وصفد فى فلسطين والكرك فى شرقىّ الأردن. وكانت دمشق أهم هذه النيابات، وكان حاكمها يعد نائب السلطان المملوكى فى الشام مما أتاح له مكانة خاصة. وجعل نفرا منهم غير قليل يطمح إلى أن يكون هو السلطان التالى للسلطان القائم بمصر، ولعل ذلك ما جعل سلاطين مصر يكثرون من عزلهم، حتى ليتولى دمشق فى زمنهم الذى امتد نحو مائتين وخمسة وسبعين عاما أربعة وسبعون نائبا. وقد درسهم (قييت) وتبين له كما ذكر فى كتابه مساجد القاهرة ص 56: أن اثنين منهم هما لاجين (696 - 698) والمؤيد شيخ (815 - 824 هـ) رقيا إلى السلطنة، وسبعة وعشرين منهم ثاروا على السلطان فرّ منهم خارج الحدود اثنان وسجن خمسة وأعدم خمسة وعفى عن خمسة. وكان لنائب دمشق من الدواوين مثل ما لسلطان مصر وكثيرا ما كان ينقل رئيس ديوان فى القاهرة إلى دمشق وبالعكس، وكثر ذلك فى كتّاب السر والإنشاء. وبذلك كله كانت دمشق تعد المدينة الثانية فى دولة المماليك مما عاد عليها بغير قليل من الازدهار. وأمر الظاهر بيبرس فى سنة 663 أن يتولى القضاء أربعة يمثلون مذاهب أبى حنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل وعمّ ذلك فى دمشق والمدن الكبرى بمملكته فى مصر والشام. وظل هذا النظام قائما طوال زمن المماليك.