وظل التتار يئنّون من عار الهزيمة الفاضحة فى عين جالوت، وظلوا يحاولون غسل هذا العار بغارات فاشلة على أطراف الشام، وكسرتهم جيوش الظاهر بيبرس مرارا، من ذلك كسرتهم على حمص سنة 659، وأغاروا على إلبيرة سنة 664 وعلموا بتحرك بيبرس فولوا مدبرين. وفى سنة 668 أغاروا على نهير الساجور بمنبج، وسرعان ما انهزموا، وعاودوا الهجوم على عينتاب وحارم سنة 670 وساعدهم حملة الصليب فحاقت بهم الهزيمة جميعا. وظلوا يعاودون المناوشة وهاجموا إلبيرة فى سنة 671 وأشرفوا على أخذها فعبر إليهم الظاهر الفرات وقتل منهم مقتلة عظيمة، وتغنى الشعراء طويلا بهذا النصر المبين، ونكل بهم فى سنة 675 تنكيلا شديدا. وظل التتار يعاودون هذه الغارات والمناوشات فى عهد قلاوون ويبوءون منها بالهزيمة، وقد استولى منهم ابنه السلطان خليل على قلعة الروم غربى الفرات سنة 692. وتولى شئون التتار غازان وكان قد دخل فى الإسلام مع جنوده. ومع ذلك أعد فى سنة 699 حملة لغزو الشام ولقيه محمد الناصر بن قلاوون بين حمص وحماة ودارت الدوائر على الناصر، واستولى جيش غازان على دمشق وغيرها من مدن الشام وعاثوا فيها فسادا. وعاد الناصر إلى مصر وجهز جيشا جرارا التقى به مع التتار قرب دمشق سنة 702 وسحقهم سحقا ذريعا، بحيث لم يعودوا يفكرون فى غزو الشام وإن هم فكروا ارتدوا إلى صوابهم سريعا.
ونمضى إلى سنة 803 فيقدم تيمورلنك بجموعه غازيا الشام، ويلقاه جيش المماليك، فيهزمه ويقتحم حلب ويعمل فيها السيف والسلب والنهب، ويتقدم إلى دمشق وينزل بالسلطان فرج فى طريقه إليها هزيمة نكراء. وترضى دمشق بالتسليم وينهبها جنوده التتار ويشعلون فيها النيران وتأتى على جامعها الأموى وعلى كثير من آثارها، ويقتلون مالا يكاد يحصى من أهلها نساء ورجالا وأطفالا: كارثة لم يصب دمشق مثيل لها لا من قبل ولا من بعد. وضاعفها أن تيمور جمع رجال الفن والهندسة والمعمار وصناع الزجاج والصلب وأخذهم معه إلى عاصمته سمرقند.
وتتحدث كتب التاريخ عن ثورات وفتن حدثت فى الشام لعهد المماليك، غير أن أكثرها إن لم تكن كلها، إنما كانت صراعا على السلطة بين السلاطين ونوابهم فى الشام. ومن هذا الصراع ما حدث من تحول الملك من المماليك البحرية إلى المماليك البرجية الجراكسة على يد برقوق سنة 784. وقد عانت الشام-كما عانت مصر-من النزاع المستمر بين أمراء المماليك، حتى كانوا يقتتلون كل مع أنصاره فى شوارع دمشق والقاهرة. وكثر ذلك فى القرن الأخير من حكم