تأسست فى مصر بعد مقتل توران شاه سنة 648 دولة المماليك، وعدّهم الحكام الأيوبيون فى الشام مغتصبيين للحكم من أصحابه الشرعيين، وأعدوا بزعامة الناصر يوسف صاحب دمشق وحلب جيشا لحربهم، ولقيه المعز أيبك التركمانى فى غزة سنة 648 وهزمه. وظلت العلاقات سيئة بين الطرفين حتى أصلح الخليفة العباسى بينهما لسنة 651 على أن يكون للماليك نهر الأردن ونابلس والقدس وغزة والساحل، وللأيوبيين بقية الشام، وقد دفعهما إلى هذا الصلح اشتداد خطر التتار.
وحاول الناصر يوسف أن يسترضى قائد هذا الوباء هولاكو سنة 655 فأرسل إليه بهدية، ولم يلبث هولاكو أن اندفع بسيول التتار إلى بغداد سنة 656 فأجرى الدماء فيها أنهارا وخرّبها وأحالها أنقاضا، ودخل هولاكو فى السنة التالية ديار بكر وملك حرّان وبلاد الجزيرة، وتحقق الناصر أنه سيقصد حلب فتركها إلى شمالى دمشق، وفى شهر صفر سنة 658 استولى التتار على حلب معملين فيها النهب والسلب، وتقدموا فى ربيع الأول إلى دمشق واستولوا عليها، وفرّ الناصر يوسف وأسره التتار، وبقى معهم فى ذلّ وهوان ما بعده هوان.
ومضى التتار يتقدمون فى ديار الشام حتى عين جالوت بين نابلس ونيسان، وإذا الموت والتشريد ينتظرهم على يد المصريين والبطلين العظيمين المملوكين: قطز سلطان مصر والظاهر بيبرس قائده، وقد أحدقوا بهم ونازلوهم حتى أفنوهم قتلا. وتبع بيبرس فلولهم إلى حلب وأطراف الشام. وأصبحت جميع الديار الشامية فى قبضة المماليك ما عدا حماة فإن أميرها الأيوبى الملك المنصور ناصر الدين محمد سليل عمر بن شاهنشاه كان قد وضع يده فى يد قطز وبيبرس فى حربهما للتتار وظل على حماة حتى سنة 683 وولاها قلاوون ابنه تقى الدين واستولى عليها الناصر بن قلاوون سنة 698 ثم ردها إلى الملك الصالح المؤيد أبى الفدا إسماعيل سنة 710 وظلت معه حتى سنة 732 ووليها بعده ابنه الأفضل ثم أصبحت للمماليك يولون عليها من يشاءون مثلها مثل بقية بلدان الشام.
وعنى الظاهر بيبرس حين أصبحت مقاليد الأمور بيده منذ سنة 659 بالإعداد لحرب من تبقى من حملة الصليب فى ساحل الشام وأخذ يغير عليهم وينازلهم، حتى إذا دخلت سنة 664 خرج