وقعا، فجيعة أحرجت صدور قوم مؤمنين، ومصيبة خصّت العلم والدين، لفقد الشيخ المنقطع القرين، أبى عثمان-رحمه الله، وأكرم مأواه، ومثواه فقد كان للإسلام جمالا ممتداّ، وللدين ركنا مشتداّ، وللعلم شهابا لا يخبو، وللأدب سهما لا ينبو، يذبّ عن حق الله القائم، ولا تأخذه فى الله لومة لائم، عاش عظيم الخطر، ومات جميل الأثر، التقوى شعاره، واليقين دثاره، وحجج الله مفزعه، وآيات الله مرجعه، فياله مصابا ما أعظمه على الموحّدين، وأسرّه إلى الملحدين، أذكرنا فقد الأئمة الأبرار، وأعلام الأمة الأخيار».
ويمضى فى مثل هذا السجع القصير موشّيا له بالجناس، أهم لون من ألوان البديع كان يستخدمه، كما نرى فى مثل «مأواه ومثواه»، و «ممتدا ومشتدا» و «لا يخبو ولا ينبو» و «لومة لائم». وكان يستخدم معه الطباق من حين إلى حين كما نرى فى مثل «الموحدين والملحدين». وله تهنئة طريفة ببنت ولدت لبعض أصحابه تمضى على هذه الشاكلة:
«أهلا وسهلا بعقيلة النساء، وأمّ الأبناء، وجالبة الأصهار، والأولاد الأطهار، والمبشّرة بإخوة يتناسقون، نجباء يتلاحقون:
فلو كان النساء كمثل هذى … لفضّلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب … ولا التذكير فخر للهلال (?)
فادّرع يا سيدى اغتباطا، واستأنف نشاطا، فالدنيا مؤنثة والرجال يخدمونها، والذكور يعبدونها، والأرض مؤنثة ومنها خلقت البريّة، وفيها كثرت الذرية، والسماء مؤنثة وقد زيّنت بالكواكب، وحلّيت بالنجم الثاقب. والنفس مؤنثة وبها قوام الأبدان، وملاك الحيوان، والحياة مؤنثة ولولاها لم تتصرف الأجسام، ولا عرف الأنام، والجنة مؤنثة وبها وعد المتقون، ولها بعث المرسلون، فهنيئا هنيئا ما أوليت، وأوزعك الله شكر ما أعطيت، وأطال بقاءك ما عرف النسل والولد، وما بقى الأمد، وكما عمّر لبد» (?).
والرسالة مؤلفة من السجع القصير، ويحلّيها الصاحب بالجناس من مثل «الأصهار والأطهار» وهو قليل فيها، وكأنه لم يكن يتأنق فى الرسائل الإخوانية تأنقه فى الرسائل الديوانية الطويلة. وفى الرسالة ظاهرة ينبغى الالتفات إليها، ونقصد ظاهرة الاحتجاج، فقد احتج للتهنئة بالبنت-وكان الأسلاف يفضلون الابن عليها-بست