حجج أو ستة أدلة، وكل دليل لا يقل قوة عن سابقه، فالدنيا مؤنثة والناس يخدمونها والذكور يعبدونها، والأرض مؤنثة ومنها خلقت البرية كما جاء فى القرآن «ومنها خلقناكم» والسماء مؤنثة وروعتها فى كواكبها ونجومها فوق التصوير، والنفس مؤنثة وهى قوام الإنسان، والحياة مؤنثة وبدونها يموت الإنسان وتبطل حركته، والجنة مؤنثة ولها بعث المرسلون وبها وعد المتقون. أدلة لا تنقض. وكأننا بإزاء مناظرة كلامية فى تفضيل البنت الأنثى على الابن الذكر. يستعين فيها على رأيه بكل ما يستطيع من أدلة وبراهين، ولا شك أن ذلك جاءه من اعتزاله وعكوفه على كتب المعتزلة يقرأ فى أدلتهم وحوارهم وكيف ينفذون إلى البراهين الساطعة، مما جعل كتابته تتشح بطرائقهم وجدالهم وتفننهم فى التعليل والتدليل. وهى تتضح فى جدال المنحرفين عن الدولة وفى تعليله العام لأفكاره وتدليله عليها بالأدلة البينة. ومن قوله فى إهداء أترجّة:
«ما زلت يا سيدى أفكر فى تحفة تجمع أوصاف معشوق وعاشق، وتنظم نعوت مشوق وشائق، حتى ظفرت بأترجّة كأن لونها لونى وقد منيت ببعدك، وبليت بصدّك، وكأن عرفها (?) مستعار من عرفك، وظرفها مشتق من ظرفك، فكأنها بعض من لا أسميّه، وأنا أفديه، فأنفذتها وقلت:
مولاى قد جاءتك أترجّة … من بعض أخلاقك مخلوقه
ألبسها صانعها حلّة … من سرق أصفر مسروقه (?)
والرسالة تصور أناقته فى اختيار سجعاته وتوشيتها بالجناس والطباق مجتمعين فى قوله:
«معشوق وعاشق» و «مشوق وشائق». وهى تصور ظرفه ورقة مشاعره. ولم نتوقف عند تصاويره وهى كثيرة فى رسائله الإخوانية والديوانية كقوله فى وصف الورود السوداء فى احمرار، المعروفة باسم الشقائق، ووصف الأشجار الخضراء والنارتجات الصفراء:
«قابلتنى شقائق كالزنوج تجارحت فسالت دماؤها، وضعفت فبقى ذماؤها (?)، وسامتنى أشجار كأن الحور أعارتها أثوابها، وكستها أبرادها، وحضرتنى نارنجات ككرات دهّبت أو ثدىّ أبكار خلّقت (?)».
وله رسالة لم يعن فيها بالسجع، وإنما عنى بالتصوير وحده، وهى فى استدعاء صديق لبعض مجالس أنسه، وتطّرد على هذا النمط:
«نحن يا سيدى فى مجلس غنىّ إلا عنك، شاكر إلا منك، قد تفتحت فيه عيون