ذلك، فقال: دخلتنى الحمية لهذه البلدة، يقصد مدينة الرى، كيف لا يكون فيها رجل على مذهب مالك الرجل المقبول القول على جميع الألسنة. وكان مذهب داود الظاهرى أكثر اتباعا فى إيران أثناء القرن الرابع، ولكن لم يلبث أن تراجع وخفت صوته أمام المذهبين الكبيرين. مذهب الشافعى ومذهب أبى حنيفة.

وكان لمذهب الشافعى الغلبة وخاصة فى شرقى إيران وما وراء النهر، ويقال إن الفقيه أبا بكر (?) القفال المعروف بالشاشى والمتوفى سنة 365 هو الذى نشر مذهب الشافعى فى تلك الأصقاع، ويذكر المقدسى أنه كان غالبا أيضا فى كرمان (?)، وعملت مؤثرات سياسية فى نشره بل فى ازدهاره لعهد السلاجقة، فإن وزيرهم المشهور نظام الملك كان شافعيا أشعريّا عدوّا للحشاشين الإسماعيلية، فأسس، كما مر بنا، مدارس فى جميع المدن الإيرانية الكبيرة سنة 457، ورصد لها مبالغ طائلة، لإلحاق مكتبات بها ولمساكن الأساتذة ورواتبهم، واختار لكل مدرسة صفوة من أئمة الشافعية والأشاعرة فى عصره، وظل ذلك من بعده. فكان طبيعيا أن يزدهر المذهب الشافعى فى إيران ازدهارا عظيما وأن يتألق فى دراساته الفقهية فقهاء كثيرون، يعدون فى الذروة من الإمامة والقدرة على الفتيا، ولولا أن الاجتهاد بالمعنى الواسع كان قد أغلقت أبوابه، ولم يبق لهم إلا الاجتهاد فى الفروع، لتطوروا بالفقه الشافعى تطورا عظيما. ومن أهم من نلقاه منهم لعصر السلاجقة أبو (?) إسحق الشيرازى المتوفى سنة 476 وقد عينه نظام الملك لتدريس فقه الشافعى بنظامية بغداد كما مرّ فى قسم العراق، وكان يقابله فى نظامية نيسابور إمام الحرمين الجوينىّ (?) عبد الملك أبو المعالى إمام الأئمة لعصره على الإطلاق المتوفى سنة 478. وقلنا فى غير هذا الموضع إنه كان يحضر دروسه أربعمائة تلميذ، ورزق من التوسع فى العبارة وعلوها ما لم يعهد من غيره، وله بنيت المدرسة النظامية بنيسابور، وظل فيها ثلاثين سنة يلقى محاضراته، وسلّم له المحراب والمنبر والخطابة ومجلس الوعظ يوم الجمعة وله تصانيف كثيرة منها النهاية فى الفقه الشافعى والشامل؛ والبرهان فى أصول الفقه. ومن تلاميذه الغزالى وأجل تلاميذه بعده إلكيا الهرّاسى (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015