هؤلاء النازحون باسم آرام النهرين. ولا نلبث أن نراهم فى القرنين الحادى عشر والعاشر ق. م يبلغون أوج قوتهم فيغيرون على شمالى الشام ويكونون به دويلات صغيرة بين حلب وجبال طوروس، وقد استولوا على دمشق وأسسوا بها مملكة اشتبكت فى حروب طويلة مع الفينيقيين والعبريين. وكان لها دور مهم فى شئون التجارة فقد كانت قوافلها الصلة بين العراق والشام وآسيا الصغرى، وكانت تلتقى فى شمالى الحجاز بقوافل اليمن وقوافل الثموديين من الحجازيين. وظلت للآراميين هذه الأهمية التجارية بعد سقوط دويلاتهم، فإنها سرعان ما سقطت إذ لم تكن تجمعها وحدة سياسية تشدّ من أزرها أمام هجمات الأشوريين، فقضوا عليها واحدة بعد أخرى. وقد أخذوا عن الفينيقيين أبجديتهم بسبب اختلاطهم بهم فى التجارة وكتبوا بها لغتهم. ولما سقطت دويلاتهم تفرقوا فى ممالك غربى آسيا. فكان ذلك سببا فى انتشار لغتهم وثقافتهم وحضارتهم، إذ وجدت أمم العراق وإيران سهولة فى أبجديتهم، مما جعل الدولة الكيانية تتخذها إحدى لغاتها الرسمية، وقد أصبحت اللغة اليومية للأشوريين والبابليين والعبريين والفينيقيين، وربما كان من الأسباب المهمة فى ذلك سهولة نحوها بالإضافة إلى سهولة أبجديتها. وتقوم الحرب بين الفرس والروم ويتخذون من بلادهم ميدانا لها، فيتأثرون بحضارتيهما، وبذلك أصبحوا ورثة الحضارات القديمة فى هذا المحيط: الحضارة الفارسية والرومانية والبابلية والأشورية والفينيقية. وقد كتبت الاناجيل بالآرامية إذ كان يستخدمها حواريو المسيح كما كتبت بها معظم المؤلفات الدينية للكنائس الشرقية، ولها لجهات عدة، أهمها اللغة السريانية التى كانت منتشرة فيما بين النهرين، وقد اتخذتها المسيحية لغة أدبية لها، وهى اللغة التى كان يدرس بها الطب والعلوم الطبيعية بجانب اليونانية فى مدارس الرّها فيما بين النهرين ومدرسة جنديسابور الفارسية وغيرهما. ومن لهجاتها أيضا لهجة الصابئة فيما بين النهرين. وقد ظلت بلهجاتها المختلفة لغة حية فى الشرق الأوسط إلى أن جاء الإسلام فقضت عليها وعلى لهجاتها لغة القرآن الكريم، وإن ظلت معروفة فى بعض البيئات.
والموجة السامية الأخيرة هى موجة العرب الجنوبيين وما تفرع عنها من موجة حبشية، وقد بدأت فى أواخر الألف الثانى ق. م متجهة إلى الجنوب وساحل المحيط