الهندى. ويظهر أن جماعات ممن نزلت فى تهامة اليمن هاجرت إلى السواحل الإفريقية، بقصد التجارة وتغلغلت فى هضبة الحبشة وكونت هناك مملكة، نشبت بينها وبين العرب الجنوبيين سلسلة من الحروب انتهت بقضائها على دولتهم فى سنة 525 م. وقد اعتنق حكامها المسيحية منذ القرن الرابع الميلادى.
تقسم الظروف الطبيعية بلاد العرب قسمين كبيرين، تفصل بينهما صحراوات واسعة، تجعل حياة كل منهما تختلف عن الأخرى. فبينما تحضر الجنوبيون كان الشماليون فى الحجاز ونجد يعيشون معيشة بدوية، إذ كانوا فى الجملة بدوا رحّلا ينتقلون وراء مساقط الغيث ومواضع العشب والكلأ. ونشأت عن ذلك فروق واسعة بين القسمين المتناقضين فبينما ظل الشماليون يحيون فى الغالب حياة بدوية إلا ما تسرب إليهم من الحضارات الأجنبية المجاورة فى العراق والشام نهض الجنوبيون بحضارة لا تزال حصونها وهياكلها وقلاعها وأبراجها قائمة لم تندثر اندثارا تامّا. وقد استطاعوا أن يشيدوا سدّ مأرب لحبس الماء فى فصل الأمطار، مما يدل على أنه كان لديهم نظام محكم لتدبير شئون الزراعة وتوزيع المياه، فقد أقاموا السدود والصهاريج، وكانت أرضهم مهيأة لتزدهر فيها حياة نباتات وأشجار واسعة بفضل مياه الأمطار الموسمية وطرق الرى الصناعية. ونشأت بينهم وبين بلاد العراق والشام ومصر علاقات تجارية واسعة فقد كانت قوافلهم تجوب الصحراء العربية شرقا وشمالا منذ الألف الثانى ق. م تحمل توابل الهند ورقيق إفريقية وأفاويه اليمن وعروضها من اللّبان والطيب والبخور وتعود محمّلة بعروض البلاد التى تتجر فيها.