فشجّعه، وأهداه بعض نصائح كان لها أثر بعيد فى شعره. وقد عكف البحترى على شعر هذا الشاعر الكبير يدرسه ويتمثله. وقدّمه أبو تمام إلى ممدوحيه، ونزل سامرّاء وأصبح شاعر البلاط الرسمى من عهد المتوكل إلى عهد المعتمد. ولم يكد يترك وزيرا ولا موظفا كبيرا ولا أميرا ولا واليا إلا صاغ فيه مديحه. وهو ممن يمثلون النزعة المحافظة فى عصره، ويعدّ بحق أستاذ الفن الموسيقى فى الشعر العربى، وكأنما وقف على جميع أسراره ودقائقه، وأكثر شعره فى المديح، ومن روائع مدائحه مدحته لأحمد بن دينار وفيها صوّر معركة بحرية بقيادته دمّر فيها الأسطول البيزنطى. ولم يكن بارعا فى الهجاء، وله فخر ضعيف. ومراثيه قوية، وله غزل يترقرق فيه الوجد كما يترقرق الماء فى الغصن، وكان ماهرا فى وصف مظاهر العمران والحضارة والطبيعة.
وكان ابن الرومى يونانى الأصل ولد ونشأ ببغداد، وكانت ملكاته خصبة أروع ما يكون الخصب، وكان شديد الحساسية إلى درجة التطير، وتروى عنه فيه أقاصيص كثيرة. وكان يتشيّع، ولعل ذلك ما جعل كثيرين يزورّون عنه، كما جعل أبواب الخلفاء والوزراء تغلق دونه، وويل لمن كان يهجوه. وتتردّد فى ديوانه أسماء ممدوحين كثيرين وكذلك أسماء كثيرات من الجوارى والقيان، واستطاع بملكاته الخصبة أن ينفذ إلى لون ساخر جديد فى الهجاء كما أسلفنا، وله مراث تفيض بالحسرات واللوعات، وعتابه لأبى القاسم التّوّزىّ وحواره مع هناته من أطرف ما نظمه شعراء العربية، وله فى الغزل معان وأخيلة نادرة وكان يشغف بالطبيعة وله فيها أشعار رائعة، وهو يكثر من وصف مجالس الأنس وألوان الطعام، وله أشعار بديعة فى الزهد.
وكلّ الشعراء السالفين من أبناء الشعب، أما عبد الله بن المعتز فكان أبوه ابن الخليفة المتوكل وظل فى الخلافة نحو ثلاثة أعوام، وقتله الترك ونفوا أمه قبيحة وابنه عبد الله إلى مكة، وأعادهما المعتمد إلى سامرّاء وفيها مضى عبد الله ينهل من كل الثقافات، وله مصنفات مختلفة أهمها كتابه البديع، وكان يحسن الضرب على الآلات الموسيقية، وله أصوات حملتها العصور بعده، وله مدائح مختلفة فى عميه المعتمد والموفق وفى المعتضد وابنه المكتفى. وكانت مأساته فى أبيه وجدّه تصرفه عن التفكير فى الخلافة، ولكن حدث أن تولاها المقتدر وهو