الحكم التركى معه، إذ استولى بنو بويه الفرس على بغداد، وصار لهم السلطان فيها والصولجان.
وكان المجتمع العباسى يتألف من ثلاث طبقات: طبقة تنعم بكل أسباب الترف والنعيم، وهى طبقة الخلفاء والوزراء والأمراء وكبار موظفى الدولة وأصحاب الإقطاعات ورءوس التجار. وطبقة وسطى، معيشتها بين الترف والشظف وهى طبقة رجال الجيش وصغار الموظفين ومتوسطى الدخل من التجار والصناع. وطبقة دنيا، معيشتها بؤس وضنك وإعسار، وهى الطبقة العامة من الزّراع وأصحاب الحرف الصغيرة والرقيق. ومن يطلع على ما كان ينفق حينئذ فى قصور الخلفاء والوزراء يخيّل إليه أنه يقرأ فى أقاصيص ألف ليلة. وليلة، إذ يبلغ ما كان ينفق على المطابخ أحيانا ثلاثين ألف دينار شهريّا، أما القصر فكان يبلغ ما ينفق عليه أحيانا مليونين ونصفا، والقصور الباذخة تشيّد، والشعب يكدح ويتصبّب من جبينه العرق ليصبح ما يملكه وزير أكثر من عشرة ملايين دينار، ولكل وزير حرسه الذى يزيد عن المئات على حين يزيد حرس الخليفة عن الآلاف. وكان كثير من أهل الطبقة الوسطى تسيل إليهم من هذا الترف وأمواله سيول، وخاصة الأطباء والمغنين والمترجمين والشعراء، أما الطبقة الدنيا فكانت مع بؤسها تبتزّ منها الأموال بكل الطرق، واضطرّ كثيرون منها إلى أن يصبحوا قرّادين وخوّائين ومتسوّلين بطرق شتى. وكان أهل الذمة يعاملون معاملة سمحة، وكان كثير من النصارى يعملون فى البيمارستانات أطباء وفى الدواوين كتّابا. وكان قصر الخلافة كثيرا ما يتحول إلى مقصف كبير للهو والغناء، ولم يتوقف فيه البذخ والترف طوال العصر. وكان الرجال والنساء جميعا يبالغون فى الأناقة: الأناقة فى الملبس وكل ما يتصل به من طيب وعطر. وتفننوا فى المطاعم إلى غير حد كما تفننوا فى الحلواء وفى الشراب. وعنوا بالسمر والمنادمة وضروب كثيرة من الملاهى. وكان الرقيق-وخاصة رقيق الجوارى- يملأ الدور والقصور، وكانت النخاسة قائمة على ساق، وكانت دورها فى الكرخ وغير الكرخ تكتظّ بالقيان. ولم يعن المجتمع العباسى بفن كما عنى بالغناء والموسيقى وكانت فيهما مدرستان: محافظة ومجددة، وكانت المدرسة المحافظة أكثر أنصارا. وأثّر الجوارى حينئذ آثارا كبيرة فى شيوع الظرف والرقة واللطف. وظلت موجة المجون