خاتمة

هذا الجزء خاصّ بتاريخ الأدب العربى فى العصر العباسى الثانى، وقد بدأته بالحديث عن الحياة السياسية وما حدث فيها من تحول خطير؛ إذ غرب نجم الفرس ولم يعد لهم شئ من السلطان والنفوذ، فقد أصبح النفوذ كله والسلطان كله بيد الجند الأتراك وقوادهم، وكانوا بدوا رحّلا، لا علم لهم بصناعة ولا بزراعة ولا بتجارة، ولا بفنون ولا بآداب، ولا بنظم ملك وسياسة، وكانوا قد قبضوا على زمام الحكم فى أواخر العصر السابق، وظلوا مسيطرين عليه طوال هذا العصر. وعبثا حاول المتوكل التخلص منهم، ولكنهم ظفروا به وقتلوه، وولوا مكانه المنتصر، ومضوا يولّون ويعزلون ويقتلون فى الخلفاء، وزادوا عنفهم بهم بأخرة من العصر، فكانوا يسملون أعينهم. وطبيعى أن تتدهور الخلافة، وزاد فى تتدهورها انغماس الخلفاء فى اللهو والترف واشتداد سفههم، إذ مضوا يبنون القصور بالأموال الطائلة، غير مفكرين فى خزائن الدولة ولا فيما ينبغى أن تنفق فيه الضرائب من مرافق الشعب ومصالحه وإعداد الجيوش بالعتاد المادى والحربى وفسد الحكم فسادا لا حدّ له فقد تحول الوزراء إلى لصوص ينهبون أموال الدولة، وتؤخذ منهم الملايين ويصادرون ولا رادع ولا زاجر، والشعب يقاسى كل صنوف البؤس والشقاء. وتشبّ ثورة الزنج فى البصرة وتظل أربعة عشر عاما، وتشبّ ثورات القرامطة وتظل سنوات متطاولة ويقضى عليها فى العراق والشام، ولكن تظل منها شعبة فى البحرين، تهدّد الدولة وتكلفها كثيرا من الأموال والرجال حتى نهاية العصر. وتكاثرت الأحداث، وكان من أهمها إعلاء الدولة لأهل السنة على المعتزلة ووقف القول بخلق القرآن وامتحان الفقهاء فيه. وكانت الغزوات الصيفية للروم البيزنطيين لا تزال ذاهبة آيبة، وتكاثرت ثورات العلويين فى الكوفة وطبرستان، وثار الصفاريون فى سجستان وكرمان وفارس، واستسلموا آخر الأمر. ولا نصل إلى أواخر العصر، حتى يتغلب كثير من الحكام على ولاياتهم، وكأن ذلك كان إيذانا بانتهاء هذا العصر وانتهاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015