ولايته، وألا يأخذ أى ضرائب استثنائية من الرعية، لا بحجة الضيافة ولا بأى حجة أخرى. ومرّ بنا فى الفصل الأول كيف أن الولاة تحولوا لصوصا وقطّاع طرق يختلسون الأموال من الناس دون أى رحمة أو شفقة، وكأن أبا العباس بن ثوابة يشير إلى ذلك على لسان الموفق إذ يقول للوالى إنه:
«أمره ألا يقسم على أهل عمله قسمة بسبب نزل (ضيافة) ولا غيره، مما كان شرار العمال يوظّفونه ويقسمونه على أهل أعمالهم، ويتجنّب الطّعم (وجوه المكاسب) الشائنة، والمكاسب الرديئة. ويحذر أن يعرض لشئ منها، أو يطلقه لأحد من كفاته (معاونيه) فيرد عليه من النكير ما هو حرىّ بتوقيه والتصّون عنه».
ويعرض فى العهد لوظيفة الحسبة. وكان المحتسب يراقب الأسعار فى الأسواق، ويقوم فيها مقام رجل الشرطة والقاضى معا ولذلك كان يختار من رجال الفقه والشريعة.
فهو يحقق ويحكم ويدين ويردّ عن المظلوم الظلم، ويراجع المكاييل والموازين، ويعاقب الغاشّ المخادع، وفى ذلك يقول عن لسان الموفق لواليه:
«وأمره أن يتخيّر للحسبة على أهل الأسواق وسائر أصحاب الصناعات والبياعات (السلع) فى عمله من يعرف بالقصد فى مذهبه، والسّتر فى نفسه، والعفاف فى طعمته (وجه مكسبه) واستيفاء الحق فيما يقلّده ويستكفى القيام به، ويتقدّم إليه فى أخذ كل طبقة من أهل الطبقات التى يقع عمله فى الحسبة فيها بتصحيح المعاملة ورفع الغشّ، وتجنب كل ما عاد بمضرّة على المسلمين أو تحيّف (تنقص) لهم، وتعيير (قياس) المكاييل والموازين فى سائر عمله، وإقامتها على الوفاء والعدل، وختمها بالرصاص، وحمل المبتاعين فيها وغيرهم عليها، والإشراف على ما يرسمه، ويتقدم بامتثاله فى سائر وجوه الحسبة، حتى لا يخالف شئ منه إلى غيره، ومعاقبة من عسى أن يقدم على مخالفته فيه، يردعه، ويعظ من سواه، فإن الله عزّ وجلّ يقول: {(أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)»}.
وهى قطعة طريفة فى العهد، إذ تصوّر أعمال رجال الحسبة فى العصر وما كان