يشترط فيهم من معرفة بالشريعة وحدودها وأن يكونوا من الثقاة أهل السّتر والعفاف حتى لا يتحولوا إلى ذئاب فى الأسواق فارضين على التجار وأصحاب الصناعات هدايا ورشاوى، من شأنها أن تفسد الذمم فسادا لا حدّ له، وبالتالى تفسد الأسعار والبيع والشراء. ويصوّر مهمة المحتسب بأنها تصحيح المعاملات بين الناس ورفع الغش والخداع والمراجعة الدائمة لعيار المكاييل والموازين وختم الدقيق منها ختما يدل على صلاحه، بحيث لا يستعمل سوى الموازين والمكاييل المختومة التى أقرّها المحتسب، وكلّ من حدثته نفسه بمخالفة ذلك ينبغى أن ينزل به المحتسب عقابا رادعا. وقد كتب العهد بدون سجع، وكان ابن ثوابة يفزع إلى السجع كثيرا، ولعله لاحظ أنه موجّه للرعية كما جاء فى نهايته، وأنه ينبغى لذلك أن يكون فى لغة واضحة لا يحجب السجع بعض معانيها، ولا يحول بين العوام وتبين ما فيها.

وأثرت له رسائل إخوانية كتب ببعضها إلى نفر من الوزراء، وهو فيها تارة يكثر من السجع وتارة يتخفّف منه بل قد يهمله تماما على نحو ما نجد فى الرسالة التالية التى كتب بها إلى الوزير إسماعيل بن بلبل يهنئه بمصاهرة الموفق ولىّ عهد المعتمد وفيها يقول (?):

«بلغنى للوزير-أيّده الله-نعمة زاد شكرها على مقادير الشكر، كما أربى مقدارها على مقادير النعمة، فكان مثلها قول إبراهيم بن العباس الصولى:

بنوك-غدا-آل النبىّ ووارثو ال‍ … خلافة والحاوون كسرى وهاشما

وأنا أسأل الله تعالى أن يجعلها موهبة ترتبط ما قبلها، وتنتظم ما بعدها، وتصل جلال الشرف، حتى يكون الوزير-أعزّه الله-على سادة الوزراء موفيا، ولجميل العادة مستحقّا، ولمحمود العاقبة مستوجبا، وأن يلبس أولياءه من هذه الحلل الغالية ما يكون لهم ذكرا باقيا وشرفا مخلّدا».

والرسالة تخلو من السجع، ولكنها تحوى الكثير من المهارة الفنية، وخاصة فى تقطيع الجمل وتقابلها واستيفاء معانيها، على نحو ما ينضح فى العبارتين الأوليين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015