ما يعنى به ويقدّمه، ويراعيه ويؤثره، إقامة الصلاة لمواقيتها بإتمام ركوعها وسجودها وأداء فرض الله فيها، إذ كانت عماد الدين، وأفضل ما تقرّب به المؤمنون، وكان من أضاعها وقصّر فى واجبها، أشدّ تضييعا لما سواها من حقوق الله عزّ وجلّ وفرائضه ودينه وشرائعه {(وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ)}. وأمره أن يلهم نفسه فى كل حال من حالاته وصغير وكبير من أمره، ذكر الله جل ثناؤه، وألا يمضى أمرا إلا بعد استخارة الله عزّ وجلّ فيه، واستقصائه فى ذلك بالذى هو له أرضى، وعنده أزكى، فإن العاقبة للتقوى، وإن أفضل الأمور خيرها عاقبة، وأحمدها مغبّة، وما التوفيق إلا بالله، عليه يتوكل المتوكلون».
وقد استهلّ أبو العباس بن ثوابة العهد-كما يلاحظ القارئ-بالسجع، ثم رآه سيطول إذ يمتد نحو ثمانى صفحات، فانصرف عنه مكتفيا بتقطيع العبارات وباصطفائها واصطفاء الألفاظ التى تتألف منها. وقد حاول أن ينهى كل أمر بآية أو كلمة من القرآن تناسبه. وهو يمضى فى العهد، فيأمر الوالى بحسن سياسته لأهل عمله وأخذه لهم بالعدل والنّصفة وإحقاق الحقوق، وأن يتخذ مساعديه فى إدارة الحكم من أهل العفاف والكفاية، وأن يقدّم أهل الفضل والصلاح والمشايعين للدولة ويتخذ منهم مستشاريه، وأن يقيم الحدود متبعا لما جاء فى محكم التنزيل والسنة النبوية وما نصّ عليه الفقهاء، وأن يجعل دبر أذنه ما قد يكون بينه وبين بعض الرعية من حقد وضغينة، وأن يقمع أهل الدعارة والفساد بإقامة الحدود عليهم دون إفراط، فإن لكل شئ قدرا، وأن يصرف عنايته إلى أطراف ولايته، وخاصة التى تقابل الأعداء فيسدّ خللها ويرتق فتقها، ويعاجل أى متسرع للفتنة أو الثورة بها. ويطلب إليه أن يراقب التجار ولا يدعهم ينقلون زادا ولا عتادا من الأسلحة إلى ديار العدو، وينزل العقاب بمن يخالف منهم هذا الأمر، وهو بدلّ على يقظة الدولة. ويأمره أن يحسن التعاون مع صاحب الخراج وأن تقدم له ما يريد من المساعدين، حتى يدرّ الخراج ويكثر حلابه، كما يأمره أن يتفقّد من فى السجون، ويكثر عرضهم والنظر فى أمورهم والأسباب التى حبسوا بها، آخذا بمشاورة أهل الفقه فيهم. ومن أطرف ما فى العهد أن نراه يأمر الوالى بالأمانة فى