وأوجب لك بطوله المزيد منها، وأوزعك (ألهمك) من المعرفة بها ما يصونها من الفتن ويحوطها من النقص».
والرسالة مع إيجازها تبدأ بحيلة من حيل الفكر العباسى الخصب الحافل بما يلفت السامع ويروعه، وهى أن العمل هو الذى يهنّأ بهذا الوالى، لا أن الوالى هو الذى يهنّأ به، إمعانا فى المدح والإطراء، فقد كان من حسن حظ هذا العمل أن صار بيد من يدبره على خير وجه ممكن فى الإيراد والإصدار، ومن يصونه ويحفظه من أى خلل أو تقصير، مع الفكر الحصيف والمعرفة التامة. ويدعو له بالأمن فى عمله والسلامة من الفتن والثورات، وهو خطاب مقتضب، ولكنه جامع شامل، مع اللفظ المنتقى والأسلوب المصفّى. وله من رسالة فى ذم بعض الأشخاص وهجائه (?):
«رجل يعنف بالنعم عنف من قد ساءته بمجاورتها، ويستخفّ بحقها استخفاف من لا يخفّ عليه محملها، ويقصّر فى الشكر تقصير من لا يعلم أن الشكر يرتبطها. . فكيف يتسع الصدر للصبر عليه؟ إن الله لا يخاف الفوت فهو يمهله، وإنه إن مات لم يخرج من سلطان الله جلّ وعزّ إلى سلطان غيره فيعاجله».
وهذه الكلمات على قصرها من ألذع الهجاء، وهل هناك شخص تسوؤه النعم سوى هذا الشخص الذى لا يعرف قدرها، بل إنه يعنف بها عنف عدوّ غاشم، وإنه ليستخفّ بحقوقها استخفاف من ثقل عليه النهوض بها وحملها، وهو لذلك كله يطّرح الشكر عليها اطراح الجاهل بأن الشكر هو الذى يكفل لها البقاء، وهو لا يدرى أنه مع طغيانه وبغيه على نعمة ربه سيلقى جزاءه، إنه يمهله، لأنه لا يعرف أنه لن يخرج حين يموت عن دائرة سلطانه. والكلمات والعبارات مختارة بدقة. وله فى الدعوة إلى يوم أنس من رسالة (?):
«لا عذر فى التخلف عنك، وإن حال الاشتغال بيننا وبينك، فإن كنت سامحت على العذر قبل الاعتذار، وسبقت إلى فضيلة الاغتفار، فلا زلت على كل خير دليلا، وإليه داعيا، وبه آمرا، وقد التقنا قبل وصول كتابك لقاء أحدث قطرا (دموعا منهمرة) وهاج شوقا، وأرجو أن تتسع لنا الجمعة بما بخلت به الأيام، فننال حظّا من محادثتك والأنس بك».