وهو يعترف بأنه مقصر وخليق بالاعتذار لتخلفه عن زيارة صديقه، ويعتذر بكثرة أعماله، ويتلطف معه، فيجعله قبل عذره قبل تقديمه وغفر له تقصيره.
وانظر كيف عبّر عن مدى تأثرهما عند اللقاء بقوله إنه لقاء أحدث قطرا. ودائما لا تفوته الكلمة الموجزة المعبّرة أدق تعبير وأقواه. ومن رسالاته عن فضل محبوبته وقد ظن بها الظنون وأنها تعثّرت فى حبال غيره (?):
«أصبحت-والله-من أمر فضل فى غرور، أخادع نفسى بتكذيب العيان، وأمنّيها ما قد حيل دونه. والله إن إرسالى إليها-بعد ما قد لاح من تغيّرها-لذلّ، وإن عدولى عنها-وفى أمرها شبهة-لعجز، وإن تصرّى عنها لمن دواعى التلف».
والقطعة محبوكة العبارات، وقد عمد فيها إلى بيان حالته النفسية إزاء تغيّر فضل عليه، متصورا ثلاثة مواقف، فهو إن راسلها كان ذلك ذلاّ له وهوانا ما بعده هوان، وهو إن انصرف عنها ولا يزال مشتبها فى أمرها لم يتبين بالضبط قطيعتها له كان ذلك عجزا منه وتقصيرا، وهو إن أخذ نفسه بالصبر عنها كان ذلك فوق طاقته وأدّى به إلى التلف والهلاك. ودائما نحسّ عنده دقة التعبير، وكأن الكلمات سهام تصيب مرماها. وله فصول بديعة تدور فى كتب الأدب من مثل قوله فى رسالة لصديق مصوّرا مودته (?):
«إنى أهديت مودتى إليك رغبة، ورضيت بالقبول منك مثوبة، فصرت بقبولها قاضيا لحق، ومالكا لرقّ، وصرت-بالتسرع إلى الهدية والتخير للمثوبة-مرتهن اللسان بالرضا، واليدين بالوفا».
وانظر تصويره لمودته بأنها هدية أهداها لصاحبه، ودائما تردّ الهدايا، وهو لا يريد لها ردّا ولا جزاء سوى قبول الصديق لها، ويقول إنك إن قبلتها أصبحت ناهضا بحق ومالكا لعبد، جعل رقّه فى يديك وحريته طوع مشيئتك، وكل ذلك كناية عن مدى إخلاصه فى أخوته وصداقته. وهو يصوّر نفسه، وقد قدّم الهدية وتخيّر جزاءها مودة صديقه بل قبوله لها، قد أصبح لسانه مرتهنا بحرمتها ويداه مقيدتين بالوفاء لها ونفسه مستعبدة له. ولا تعرف بالضبط السنة التى توفى فيها سعيد، وأكبر