خليقة بأن تنصب لها أعلام السرور. ومضى يصوّر سروره وأنه يزيد على سرور أهل عمله حين جاءهم نبأ تولية هذا العامل عليهم. ويؤكد سروره بقوله إنه طاب نفسا، وقد أحسن اختيار هذه الكلمة. ثم أخذ يحمد له السلامة من هذا العمل ويعدّ ذلك نعمة ليس فوقها نعمة، ويدعو له بأن يبلغ أعظم الدرجات وأشرف المراتب، كما يدعو له بأن يعرف حق هذه النعمة ويشكر الله عليها أصدق الشكر، ويتمنى له أن يبلغ غاية آماله. وكأنما الرسالة ضرب من الحيل العقلية التى كانت تدور فى المجالس، والتى كانت تعرض محاسن الشئ ومساوئه. فقد يكون حسنا وينقلب سيئا، وقد يكون سيئا وينقلب حسنا، ولا يرى فيه إلا الحسن، بفضل الذخائر العقلية التى حازها لنفسه العصر العباسى. وله من رسالة تعزية (?):
«إذا استوى المعزّى والمعزّى فى النائبة استغنى عن الإكثار فى الوصف لموقع الرزيّة. . .
وأنا أقول إنا لله وإنا إليه راجعون، إقرارا له بالهلكة، واغترافا بالمرجع إليه، وتسليما لقضائه، ورضا بمواضع أقداره، وأسأل الله أن يصلّى على محمد صلاة متصلة بركاتها، وأن يوفقك لما يرضيه عنك قولا وفعلا، حتى يكمل لك ثواب الصابر المحتسب وجزاء المطيع المتنجّز للوعد، ويرحم فلانا ويحله أعلى منازل أوليائه الذين رضى سعيهم، وتطول بفضله عليهم، إنه ولىّ قدير».
والحيلة أيضا فى هذه الرسالة واضحة، فقد جعل وفاة الشخص شركة بينه وبين المعزّى، فهو أيضا حرى بأن يعزّى فيه، وكأن المصيبة فيه مصيبة عامة، والحزن عليه لا يقف عند من أرسل له هذه الرسالة، بل يشمل كثيرين هو أحدهم.
وقد أخذ يحتال على أن يسلو عنه صاحبه، تسليما للقضاء، واعترافا بأن كل من عليها فان، ورضا بالمقادير، وإنه ليدعو الله أن يوفق صاحبه للصبر على المصيبة، حتى يحوز ثواب المحتسب الصابر، ويدعو للمتوفى أن يرحمه الله وينزله مع أوليائه وأصفيائه فى الدرجات العلية. وله يهنئ بعض إخوانه بولاية (?):
«أنا أهنئ بك العمل الذى وليته، ولا أهنئك به، لأن الله أصاره إلى من يورده موارد الصواب، ويصدره مصادر الحجّة ويصونه من كل خلل وتقصير، ويمضيه بالرأى الأصيل، والمعرفة الكاملة. قرن الله لك كل نعمة بشكرها،