مبكرا. وما يزال يرقى فيها وأعين رؤسائها ترمقه وتلاحظه، إذ كان شاعرا بارعا وكاتبا نابغا.

وكانت أول حادثة لمع فيها اسمه البيعة للمنتصر بعد مقتل أبيه المتوكل سنة 247، فقد ذكر أن أحمد بن الخصيب وزير المنتصر قال له: ويلك يا سعيد! أمعك كلمتان أو ثلاث تأخذ بها البيعة؟ قلت: نعم وكلمات، وعملت كتاب البيعة.

وهو كتاب طويل استهلّه بقوله (?):

«بسم الله الرحمن الرحيم. تبايعون عبد الله المنتصر بالله أمير المؤمنين بيعة طوع واعتقاد ورضا، ورغبة بإخلاص من سرائركم، وانشراح من صدوركم، وصدق من نيّاتكم لا مكرهين ولا مجبرين، بل مقرّين عالمين بما فى هذه البيعة وتأكيدها من طاعة الله وتقواه، وإعزاز دين الله وحقه، ومن عموم صلاح عباد الله واجتماع الكلمة، ولمّ الشّعث، وسكون الدّهماء، وأمن العواقب، وعزّ الأولياء، وقمع الملحدين. . . لا تشكّون ولا تدهنون (تمالئون) ولا تميلون، ولا ترتابون، وعلى السمع له، والطاعة والمسالمة، والنصرة والوفاء والاستقامة والنصيحة فى السر والعلانية، والخفوف والوقوف عند كل ما يأمر به».

وأكبر الظن ان صوت سعيد اتضح فى هذه السطور القليلة، فهو يعنى أشد العناية باختيار لفظه، وهو لا يطيل عباراته، بل يجعلها قصيرة، حتى لتصبح كلمة مثل: «طوع واعتقاد ورضا»، ومثل «اجتماع الكلمة، ولمّ الشعث، وسكون الدهماء، وأمن العواقب، وعز الأولياء، ولمع الملحدين» فالكلمات تتعاقب، جزلة حقا، ولكنها خفيفة على الأفواه والشفاه، إذ لا تلبث أن تحملها حتى ترسلها. ويظل كاتبا لأحمد بن الخصيب طوال خلافة المنتصر، حتى إذا ولى الخلافة بعده المستعين لسنة 248 عزل ابن الخصيب من الوزارة، واستوزر مكانه أبا صالح عبد الله بن محمد بن يزداد وسرغان ما عزله واستوزر محمد بن الفضل الجرجرائى، فجعل رياسة ديوان الرسائل لسعيد بن حميد (?)، وبذلك أصبح الكاتب الأول فى الدولة الذى تصدر عنه جميع رسائلها الديوانية، ومما كتبه حينئذ رسالة خطيرة عن محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أهل بغداد، وكان المستعين قد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015