أنه كان ينتظم بين كتّاب الدواوين لعهد المتوكل، إن لم يكن قد انتظم فيها قبل ذلك، وإنما يدفعنا إلى هذا الرأى ما اشتهر به من تعصبه على آل على بن أبى طالب تعصبا شديدا حتى ليقول ابن المعتز. «كان سعيد من أشد الناس نصبا (عداء) لعلى وانحرافا عن آل الرسول عليه السلام» (?) ويقول المسعودى:

«كان يتنصّب ويظهر التسنن والانحراف عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه وعن الطاهرين من ولده». ومرّ بنا فى غير هذا الموضع موقف المتوكل من العلويين وأمره بهدم قبر الحسين فى كربلاء وانحرافه عن على وآله، وكأن سعيدا اعتنق أفكاره إما حقيقة وإما رياء للخليفة الموظف بدواوينه. على كل حال نظن فى هذا الانحراف عند المتوكل وسعيد معا أنه كان يعمل فى ظله، وأنه استحال بوقا من أبواقه. ويقول صاحب الفهرست إن له كتاب انتصاف العجم من العرب ويعرف بالتّسوية، والكتاب لم يصلنا، ولا ندرى هل كان ينحرف عن العرب بدورهم انحرافا شديدا أو انحرافا خفيفا، على أن فى كلمة ابن النديم أن الكتاب يعرف بالتسوية ما قد يشير إلى أنه لم يكن شديد العصبية فيه على العرب وأنه إنما كان يطالب بالتسوية بينهم وبين الأعاجم، والتسوية كما مرّ بنا فى هذا الكتاب وكتاب العصر العباسى الأول لا تدخل فى العصبية المنحرفة لدى بعض الأعاجم والمعروفة باسم الشعوبية.

وفى أشعاره ما يدل على أنه كان معتزليّا مثل أبيه على نحو ما نرى فى قوله (?):

قد قلت بالعدل ولكننى … عدلت فى الحبّ عن العدل

فقلت بالإجبار مستغفرا … لله من قولى ومن فعلى

فهو يؤمن بنظرية العدل على الله المعروفة عند المعتزلة، والتى تتيح للإنسان حرية الإرادة والاستطاعة، حتى يكون ثوابه وعقابه جزاء لما قدمت يداه، بينما يذهب أصحاب الجبر إلى أن كل شئ بقضاء وقدر وأنه لا مفر من الاستسلام للمقادير.

ولعل فى ذلك كله ما يصور شخصية سعيد وأنه كان مثقفا ثقافة واسعة، ثقافة بالعربية وبمواد المعرفة الأجنبية، وهيّأ له ذلك أن يصبح من كتّاب الدواوين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015