الموفق حينئذ خطة سديدة أن يعفو عمن يستسلم له من جند العدو ويضمه إلى جيشه واستسلم له كثيرون (?). واتجه إلى حصن الزنج الأوسط الذى سموه مدينة «المنصورة» وكان بجوار «طهيثا» والتقى هناك بسليمان بن جامع وأصحابه، فقتل منهم مقتلة عظيمة، واستولى على المدينة وكل ما بها من الأموال والذخائر والميرة، وفرّ سليمان على وجهه لا يلوى، وفرّ كثيرون من الزنج إلى الآجام المحيطة بالمدينة، وأعلن الموفق مرة ثانية أنه يعفو عفوا تامّا عن كل من يستسلم راضيا، واستسلم له كثيرون، فكان يخلع عليهم ويضمهم إلى جيشه. وكانت سياسة قويمة إذ أخذ كثيرون من أتباع صاحب الزنج يغادرون معسكره إلى معسكر الموفق (?). ومضى إلى الأهواز والقرى التى بينها وبين فارس، وفرّ عنها سريعا قائدان من قواد الزنج هما المهلبى وبهبوذ بن عبد الوهاب تاركين وراءهما عتادا ضخما من الميرة احتواه الموفق. وكاتبه كثيرون من فرسان هذين القائدين وجنودهما يطلبون الأمان فأمّنهم وسلكهم فى جيشه، واستأمن قائد اسمه «منتاب» وكثير من المقاتلين فى سميريات الزنج وسفنهم (?). وتقدم الموفق بجموعه إلى المدينة «المختارة» حاضرة صاحب الزنج آخر معاقله. ورأى من مناعتها ما جعله يؤمن بأن حصارها سيطول، فبنى لجيشه أمامها على الضفة الثانية لدجلة مدينة سماها «الموفقية» شيّد فيها جميع المرافق، وساق إليها أصناف المنافع، وشدّد فى حصار المختارة، حتى غدت كأنها سجن كبير لصاحبها وأتباعه، ونادى بأن الأمان مبسوط للناس أحمرهم وأسودهم، واستسلمت له من الزنج جموع كثيرة، إذ رأوا صاحبهم كالأسير وقد عزّته الميرة والمؤن، وفى ذلك يقول ابن الرومى للموفق من قصيدة طويلة (?):

حصرت عميد الزّنج حتى تخاذلت … قواه وأودى زاده المتزوّد

فظلّ ولم تقتله يلفظ نفسه … وظلّ ولم تأسره وهو مقيّد

تفرّق عنه بالمكايد جنده … وتزدادهم جندا، وجندك محصد (?)

وما زال الموفق يحاصر المدينة وصاحبها حتى رأى أن يشنّ عليها حملة حاسمة سنة 269 إذ هاجمت سفنه الحربية قصر صاحب الزنج وصمم على الفرار منه، والتقى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015