وتشغل الدولة وقائدها الموفق بيعقوب بن الليث الصفار، وكان قد استولى على سجستان وكرمان وفارس وقضى على الطاهريين واستولى منهم على خراسان، وأقبل بجموعه فى سنة 262 يريد الاستيلاء على بغداد، ولم يكد يلمّ بدير العاقول على بعد اثنى عشر ميلا منها حتى تصدّى له الموفق وهزمه هزيمة ساحقة، فرّ على أثرها إلى الأهواز، وإلى ذلك يشير ابن المعتز فى أرجوزته آنفة الذكر إذ يقول عن الموفق:

وحارب الصّفّار بعد الزّنج … فطار إلا أنه فى سرج

وفرّ من قدّامه فرارا … وكان قدما بطلا كرّارا

وظل الموفق مشغولا به بعد هزيمته إلى أن توفى سنة 265. وفى هذه الأثناء وجد صاحب الزنج الفرصة سانحة له، فكان يغير على بعض المدن، يفتك بأهلها وينهبها من مثل الأهواز وواسط ودست ميسان. وكانت أنباؤه لا تزال تصل إلى الموفق، فصمم على منازلته ثانيا، وجهّز لحربه جيشا جرارا تسنده سفن حربية، وأسند قيادته إلى ابنه أبى العباس. (الذى ولى الخلافة بعد عمه المعتمد وتلقّب بالمعتضد) وكان شجاعا حازما من أهل الرأى الصائب مثل أبيه، فخفّ إليه فى ربيع الآخر لسنة 267 فواقع قائدا يسمى سليمان بن جامع ومزّق جنوده واستولى على ما كان بيده من قرى دجلة (?)، ودخل مدينة واسط وردّها على أهلها، وعسكر بجيشه فى جوارها، وأخذ يقف بنفسه على القرى والمسالك المؤدية إلى صاحب الزنج ومدينته. وجمع له الزنج وحشدوا واتخذوا سفنا تسمّى بالسّميريّات، لكل منها أربعون مجدافا والملاّحون من فوقها يحملون السيوف والرماح والتروس، ولكن أبا العباس عرف كيف ينزل بهم هزيمة نكراء، استولى فى أثنائها على أكثر سميّريّاتهم (?)، وأخذت هزائمهم تتلاحق. وبلغ الموفق نبأ بأن صاحب الزنج يعدّ جيشا كثيفا لمساعدة قائديه: سليمان بن جامع وعلى بن أبان، فأعدّ جيشا ضخما بدوره لنصرة ابنه، ومضى معه إلى حصن الزنج الشمالى فى البطيحة الذى سموه باسم «المدينة المنيعة» وأوقعأ بقائد لهم يسمى الشعرانى وبجنده وقعة ماحقة. واتخذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015