النار (?)، وتقول أقل الروايات مبالغة إن عدد القتلى بلغ ثلثمائة ألف بين ذكر وأنثى وشيخ وطفل وإنه أحرق المسجد الجامع وأحال البلدة أنقاضا، يقول المسعودى:

«واختفى الناس ذعرا فى الدور والآبار، وكانوا يظهرون بالليل فيأخذون الكلاب فيذبحونها ويأكلونها، وكذلك الفئران والسنانير، وأفنوها حتى لم يقدروا منها على شئ، وكانوا إذا مات منهم الواحد أكلوه، وعدموا مع ذلك الماء العذب» (?) وتسامع الناس والشعراء فى بغداد وسامراء بهذه النكبة المروّعة التى حلّت بالبصرة.

فبكوها بدموع غزار، وفى مقدمتهم ابن الرومى، وقصيدته:

ذاد عن مقلتى لذيذ المنام … شغلها عنه بالدموع السّجام

ندب حارّ لها وتفجع وتوجع لما نزل بها من تلك الكارثة التى لا تكاد تتخيلها الأوهام، وقد مضى يصور قتلى الزنج وصرعاهم وانتهاكهم الحرمات وسبيهم الحرائر المصونات ممزقات الثياب داميات الوجوه، وكيف أشعلوا النيران فيها وحوّلوا قصورها تلالا ورمادا، وكيف ملئوا شوارعها بالرءوس والجثث والأيدى والأرجل المبتورة، وهو فى تضاعيف ذلك يستصرخ الأمة لنجدة البصرة والذّياد عن الحرمات والفتك بالزنج الذين ارتكبوا آثاما يشيب لها الولدان فتكا لا يبقى ولا يذر.

وكأنما استجابت الدولة لصرخة ابن الرومى، فجهّزت جيشا ضخما بقيادة الموفق أخى الخليفة المعتمد، وكان بطلا لا يبارى وصاحب رأى وحزم لا يدانيه حزم وتدبير لا يشبهه تدبير، غير أن الزنج وصاحبهم استتروا منه بالقنوات وبالأدغال الملتفّة والنخيل الكثيف. فندب إليهم منصور بن جعفر بن دينار فاستباحوا عسكره وقتلوه. فتقدم الموفق إلى نهير يسمى نهير معقل، ونازل الزنج وهزمهم مرارا وأسر قائدا من قوادهم هو يحيى البحرانى وأرسل به إلى سامراء حيث ذبح وأحرق (?). وعاد الموفق إلى سامراء، وخلّف على قتال الزنج موسى بن بغا، ونشبت حروب متتابعة قتل فيها كثير من الجانبين (?). ويولّى المعتمد فى سنة 261 على الأهواز قائدا من قواده يسمى أبا الساج، وينازل الزنج وترجح كفتهم، ويدخلون الأهواز وينهبونها ويحرقون دورها (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015