الضالة، كما هاجر الرسول عليه السلام عن أهل مكة إلى المدينة، كذلك هاجر صاحب الزنج بأتباعه إلى سبخة بمآخير أنهار البصرة تسمى سبخة أبى قرّة، فأقام فيها، وأمر أصحابه باتخاذ الأكواخ بها، وبثّ الزنج والسود يغير بهم على القرى وينهب الأموال والدوابّ (?)، ثم تحوّل إلى الجانب الغربى من نهر أبى الخصيب واتخذ عليه مدينة (?) سماها «المختارة» بنى له فيها دورا حصينة؛ وأمر أصحابه بالبناء فيها.

وكثرت إغاراته على البصرة وقراها، فاستغاث أهلها بالخليفة المهتدى، فأرسل إليهم فى سنة 256 جيشا أكثره من الفرسان فلم يستطع الوصول إلى مدينة صاحب الزنج لكثرة ما كان يقوم دونها من القنوات والنخيل والأدغال. ويشعر صاحب الزنج بقوته، فيقتحم مدينة الأبلّة مما يلى نهر دجلة. ويقتل بها خلقا كثيرا، ويشعل بها نارا تأتى على كثير من منازلها، إذ كانت مبنية من خشب الساج، ويعمل فيها النهب والسلب. ويهاجم بعدها مدينة عبّادان، وكان أهلها قد سمعوا ما صنعه بمدينة الأبلّة، فألقوا له عن يد، وانضمّ إليه من كان بها من العبيد، ونهب كل ما كان بها من السلاح والمئونة. وولّى وجهه نحو مدينة الأهواز فدخلها بعد مناوشات قليلة، واستولى على كل ما كان بها من الأسلاب والأمتعة (?).

وتولى المعتمد الخلافة، فأرسل إليه فى سنة 257 هـ‍ جيشا كثيفا انتصر على بعض كتائبه، غير أن الزنج استتروا منه بالقنوات والأدغال، فاضطر إلى الانسحاب، ونازلهم منصور بن جعفر الخياط بجيش ثان لم يصنع شيئا (?). وما يلبث صاحبهم أن يهاجم البصرة. وكان يردّد على مسامع أصحابه أنه اجتهد فى الدعاء عليها أن يصيبها الخراب من جميع جهاتها، وأنه خوطب فى أمرها، فقيل له: إنما البصرة خبزة لك تأكلها من جوانبها. وانضمّ إليه حينئذ كثير من الأعراب، هاجمها بهم وبأتباعه من الزنج والعبيد فى أثناء صلاة أهلها إحدى الجمعات، وقد انقضّ عليها من ثلاث جهات، معملا فيها النهب والسلب والقتل وإشعال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015