ذلك فى نفوسهم أن صاحبهم كان يدعو إلى تحريرهم، وهى دعوة كريمة، غير أنه لم يمض فيها إلى النهاية، إذا استباح فى حروبه استرقاق الأحرار، مما يؤكد أنه لم يكن يفكر جدّيّا فى الغاء الرق. ويدل أكبر الدلالة على أنه لم يكن محررا للعبيد حقّا ولا كان علويّا ما رواه المسعودى عنه من أنه «كان ينادى فى عسكره على المرأة من ولد الحسن والحسين والعباس بن عبد المطلب وغيرهم من ولد هاشم وقريش ومن سائر العرب وأبناء الناس، فتباع الجارية بالدرهمين والثلاثة، وينادى عليها بنسبها: هذه ابنة فلان، ولكل زنجى منهن العشرة والعشرون والثلاثون. . .
واستغاثت به امرأة هاشمية من ولد الحسن بن على بن أبى طالب كانت عند بعض الزنج، وسألته أن ينقلها إلى غيره من الزنج أو يعتقها مما هى فيه، فقال لها: هو مولاك وأولى بك من غيره» (?). ولو كان علويّا ما استباح استرقاق العلويات، ولو كان ثائرا على الرق داعيا إلى تحرير العبيد بإخلاص ما أسقط العبودية عن الزنوج وردّها على الأحرار، بل كان يبقى لهم حريتهم. ويبدو أنه لم تدر بذهنه خطة واضحة لنمط من أنماط الاشتراكية يصحح به معيشة الناس عبيدا وأحرارا ويصلح به أوضاعهم المالية والاقتصادية. ولذلك حوّل ثورته سريعا من ثورة ضد الملاّك الإقطاعيين إلى ثورة ضد الدولة، فالدولة يجب أن تقاوم ويقاوم معها الخلفاء وولاتهم. ويذهب بعض المؤرخين إلى أنه كان يعتنق آراء الأزارقة من الخوارج إذ كان يستحلّ مثلهم قتل نساء المسلمين وأطفالهم، وكان يرى رأيهم فى أن المسلمين جميعا كافرون وينبغى قتالهم واستئصالهم حتى لا تبقى منهم باقية، ويحاول المسعودى أن يبرهن على أنه كان يؤمن بمبادئ الخوارج بشواهد مختلفة، منها أنه كان يبدأ خطبه بعبارة الخوارج المشهورة التى رددوها حين ثاروا فى وجه على بن أبى طالب:
«ألا لا حكم إلا لله»، وأنه كان يردد أن الذنوب تفضى إلى الشرك على نحو ما كان يقول الخوارج من قديم بأن مرتكب الكبيرة كافر، وأنه هو وأصحابه كانوا إذا خطبوا على المنابر ترحموا-مثل الخوارج الأولين-على أبى بكر وعمر ولم يذكروا عثمان وعليّا غضبا عليهما ولعنوا جبابرة الأمويين والعباسيين (?). وعلى نحو ما اعتزل الخوارج الأولون على بن أبى طالب إلى حروراء بقرب الكوفة مهاجرين عن الجماعة