الخاقانى، وكان سيئ السيرة، فأخذ يبيع الولايات غير مراع للأمة عهدا ولا ذمة، ويقال إنه ولّى على الكوفة فى يوم واحد تسعة عشر واليا آخذا من كل واحد منهم رشوة حسبما تيسر، وفيه يقول بعض معاصريه (?):
وزير لا يملّ من الرّقاعه … يولّى ثم يعزل بعد ساعه
إذا أهل الرّشا صاروا إليه … فأحظى القوم أوفرهم بضاعه
ونعجب أن تدرّ إقطاعات الوزير فى عهد المقتدر مائة وسبعين ألف دينار سنويّا (?)، ولا يكفيه هذا الراتب الضخم ويختلس ويسرق أموال الدولة والأمة حتى يصبح من ذوى الملايين. وبذلك نفهم كيف كان بعض الوزراء حينئذ يبذل فى سبيل حصوله على الوزارة خمسمائة (?) ألف دينار، مؤملا أن يستردها فى أسرع وقت. ويروى أن حامد بن العباس حين وزر للمقتدر أهداه بستانا أنفق عليه مائة ألف دينار وفرشه باللبود الخراسانية (?). واستوزر المقتدر بعده ابن الفرات ثانية، فاستخلص منه مليونا وثلثمائة ألف، ويقال إنه كان ينفق على موائده يوميّا مائتى دينار (?)، فى حين كان المستكفى ينفق بأخرة من العصر على مائدته كل يوم خمسين ألف درهم (?). وكان الولاة يستنّون سنة الوزراء فى نهب الأموال واختلاسها (?).
وبهذه الصورة كانت أموال الدولة تختلس وتنهب، ينهيها ويختلسها الولاة والكتّاب والوزراء، ينعمون ويترفون، والشعب يتمرّغ فى البؤس والحرمان والشقاء، وكأنما تعطلت أداة الحكم، بل لقد فسد فسادا لا يقف عند حد. وكان مما زاد فى هذا الفساد غلبة النساء على الحكم، فكن كثيرا ما يصرّفنه بحسب أهوائهن، وكن يقتنين الجواهر الباهظة الأثمان والضياع والعقارات والأموال الطائلة، حتى يقال إن المستعين مات وفى خزائن الدولة نحو نصف مليون دينار، على حين كان فى خزائن أمه مليون دينار كاملة (?)، وكانت أم المعتز أكثر منها جشعا، ويقال إن