يعشرة، ويكتبون عليه صكّا بأنه باع ضيعته، وينزل على إرادتهم، حتى يخلص من هذا التعذيب الذى لا يطاق بدفع ما يريده أرباب الخراج. ويقول ابن المعتز إن المعتضد أزال هذا التعذيب وقمع هذا الظلم الصارخ، ولكنه كان قمعا إلى أجل محدود، إن كان حقّا قمعه أو استطاع قمعه. ويصور لنا ابن المعتز كيف كان هؤلاء الجباة يبتزون أموال التجار أصحاب الجواهر والأموال العريضة، وخاصة من كانت له معاملات منهم مع الدولة، فقد كانوا يدّعون عليه أن للسلطان عنده ودائع يجب أن يردها، وكانوا لا يزالون يتفنّنون فى تعذيبه:
حتى إذا ملّ الحياة وضجر … وقال ليت المال جمعا فى سقر
أعطاهم ما طلبوا فأطلقا … يستعمل المشى ويمشى العنقا
والعنق مشية سريعة، وكأنه يخشى أن يردوه إلى التعذيب، فهو يطير طيرانا. وويل لمن كان يرث عن أبيه ميراثا ضخما، فقد كانوا يحاولون الاستيلاء على ميراثه بطرق شتى، إذ يسجنونه، ويطلبون إليه أن يثبت أنه ابن المتوفى، وما يزالون يضربونه ويلكمونه ويصعفونه، يقول ابن المعتز:
وأسرفوا فى لكمه ودفعه … وانطلقت أكفّهم فى صفعه
ولم يزل فى أضيق الحبوس … حتى رمى إليهم بالكيس
وكأننا لم نعد بإزاء دولة تحكم بقوانين الشريعة الإسلامية، وإنما أصبحنا بإزاء لصوص ومختلسين وقطاع طرق. وما إن يجثم عصر المقتدر على صدر الأمة حتى يفسد الحكم فسادا لا حد له، وقد استوزر اثنى عشر وزيرا منهم من وزر له المرتين والثلاث، أولهم ابن الفرات، ويروى أنه حاسب كتّاب العطاء فوجد لهم خيانة بلغت نحو مائة ألف دينار (?)، ولم يلبث المقتدر أن صادره فى سنة 299 واستولى على أمواله وإقطاعاته، فاجتمع له نحو سبعة ملايين من الدنانير (?)، ومع الشك فى أمانته على هذا النحو نراه يعود إلى الوزارة حتى إذا توفى فى سنة 312 وجد له من الدنانير ما يزيد على عشرة ملايين (?). وولى الوزارة بعد إقالته الأولى منها