هذه الجريمة النكراء. وكان الولاة يرشون الوزراء ليظلوا فى ولاياتهم، وبلغت الرشوة أحيانا مائتى ألف دينار غير ما يرافقها من التحف والهدايا (?)، وحتى رجال الحسبة كانوا يرتشون ويختلسون الأموال، فى أثناء مراقبتهم للتجار وحركة البيع والشراء فى الأسواق على نحو ما يروى عن أحمد بن الطيب بن مروان السرخسى الفيلسوف، إذ خان الأمانة فى ولايته الحسبة ببغداد، وكان جملة ما أخذه مائة وخمسين ألف دينار (?)، ولا نبالغ إذا قلنا إنه كان يتورط فى هذا الاختلاس وما يطوى فيه من الرشوة أكثر موظفى الدولة، وخاصة من كانوا منهم يقومون على جباية الضرائب وأموال الخراج، وكثيرا ما كانوا يعذّبون أصحاب الضياع والأعيان وذوى الوجاهة بالضرب والسّحب على الوجوه والرسف فى القيود وصبّ الزيت على رءوسهم أو النقط وتعليقهم فى الجدر من أيديهم وأرجلهم، حتى يستخرجوا منهم كل ما يريدون من أموال، ويصور ذلك ابن المعتز فى أرجوزته (?) الّتى أرّخ فيها خلافة المعتضد وأعماله الجليلة مبينا كيف كانت تجبى أموال الخراج قبله فى قسوة بل فى عنف بل فى أهوال من التعذيب والتنكيل، يقول:

فكم وكم من رجل نبيل … ذى هيبة ومركب جليل

رأيته يعتل بالأعوان … إلى الحبوس وإلى الديوان

وجعلوا فى يده حبالا … من قنّب يقطّع الأوصالا

وعلّقوه فى عرى الجدار … كأنه برّادة فى الدار

وصفّقوا قفاه صفق الطّبل … نصبا بعين شامت وخلّ

وصبّ سجّان عليه الزّيتا … فصار بعد بزّة كميتا

ويمضى ابن المعتز فيذكر أنهم ما يزالون يعذّبون المرء بصنوف العذاب حتى لا تبقى فيه قدرة على المقاومة، فيتوسل إليهم أن يعرضوه على التجار كى يقرضوه بعض أموالهم، أو حتى يبيعهم بعض عقاره، وأن يؤجلوه لذلك خمسة أيام، وبعد لأى يجعلونها أربعة، ويأتيه أصحاب الربا الفجرة، فيقرضونه واحدا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015