ألف غلام خصى من الروم والصقالبة والسودان، ويقال أيضا إنه أتلف من الأموال ثمانين مليونا من الدنانير (?) غير ما بدّده من الجواهر الثمينة التى كانت تحتفظ بها خزائن الدولة منذ خلفائها الأولين.

وطبيعى أن يقضى هذا السفه على هيبة الخلافة وأن يستذلها الترك وخاصة حين يطلبون للجيش رواتبه فيجدون الخزينة خالية الوفاض. وقد فسد حينئذ الحكم فسادا شديدا، إذ كان الوزراء يرتشون ومثلهم الولاة على الأقاليم وكبار الكتاب، بل إنهم جميعا كانوا يختلسون أموال الخراج والضرائب وما كان يصير إلى الدولة من البلدان المختلفة، وقد بدأ هذا الوباء بأخرة من العصر العباسى الأول فى زمن الواثق إذ صادر فى سنة 229 للهجرة كتّاب الدواوين واستخلص منهم نحو مليونى دينار (?)، وكلما تقدمنا فى العصر العباسى الثانى اتسع الخرق ولم يعد من الممكن رتقه، ولذلك مظهر واضح هو كثرة المصادرات لأموال الوزراء والكتّاب، إذ نرى المتوكل يصادر أموال ابن الزيات وزير آبائه، ويصادر أموال كاتبه عمر بن الفرج الرّخّجىّ.

ويقال إنه أخذ من أمواله ما قيمته مائة وعشرون ألف دينار وأخذ من أخيه نحو مائة وخمسين ألفا (?)، ونكب كاتبا ثانيا استوزره مدة قليلة يسمى أبا الوزير واستخلص منه مائتى ألف دينار (?)، ونكب كاتبا ثالثا من كتاب التوقيع يسمى نجاح بن سلمة وأخذ منه ومن ابنه مائة وأربعين ألف دينار (?)، ونكب القاضى أبا الوليد محمد بن أحمد بن أبى دؤاد واستخلص منه مائة وستين ألف دينار (?)، ونكب يحيى بن أكثم قاضى قضاته واستخلص منه خمسة وسبعين ألف دينار (?).

وأثرى قواد الترك فى السنوات التى تلته ثراء فاحشا وأثرى كثير من الوزراء، ونرى المعتمد يصادر أموال وزيره إسماعيل بن بلبل ويسفك دمه كما يصادر أموال وزيره سليمان بن وهب وابنه عبيد الله ويستخلص منهما تسعمائة ألف دينار (?).

ومعنى ذلك أن الوزراء ومثلهم الكتّاب والولاة كانوا يختلسون أموال الدولة والأمة، ويخيّل إلى الإنسان أنه لم يعد هناك موظف كبير فى الدولة لا يقترف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015