للتنافس على الخلافة، وكان المنتصر أولهم فى الولاية، ويليه المعتز والمؤيد، فأوغر المتوكل صدره حتى أصبح خصما له. وإذا كانت حادثة الرشيد جرّت مقتل ابنه الأمين فإن صنيع المتوكل أدى إلى مقتله وسفك دمه. وكأن المتوكل هو الذى هيأ للترك أن يغلبوا على الخلافة وأن يصبحوا هم أصحاب السلطان الحقيقى يولّون ويعزلون ويسجنون ويقتلون، وتمادوا فى ذلك حتى ردّ الموفق إلى الخلافة مهابتها، وتبعه فى صنيعه ابنه المعتضد، ولكن لم يلبث المكتفى أن هوى بها من حالق، فعاد إلى الترك كل سلطانهم وكل بغيهم وعدوانهم على الخلافة والخلفاء.

وكان من أهم الأسباب فى تدهور الخلافة العباسية أن كثرة الخلفاء انغمست فى اللهو والترف والإقبال على كل متاع مادى من بناء قصور باذخة ومعيشة كفلت لها كل وسائل النعيم وأدواته، وأولهم المتوكل، ونراه لا يبنى لنفسه بسامراء قصرا واحدا، بل قصورا ينفق عليها أموالا طائلة، منها الشاه والعروس والشبداز والبديع والغريب والبرج، ويقال إنه أنفق على القصر الأخير مليونا وسبعمائة ألف دينار. وبنى فى سنة 246 بالماحوزة على بعد ثلاثة فراسخ من سامراء شمالا قصورا عدة، منها الجعفرى والهارونى واللؤلؤة، كلفته ملايين الدنانير (?). ويروى أنه سأل شخصا حين أتمّ بناء الجعفرى كيف قولك فى دارنا هذه؟ فأجابه بقوله: إن الناس بنوا الدور فى الدنيا وأنت بنيت الدنيا فى دارك (?)، وهو سفه وخرق، فالخليفة لا يفكر إلا فى نفسه وملذاته، وكأن ليس هناك جيوش تعدّ للحرب بأسلحتها وعددها الكثيرة، وكأن ليس هناك رعية يقوم الخليفة على مصالحها، فيبنى لها المستشفيات ويوفر لها الغذاء والكساء، بل الرعية تكدح وتشقى وتذوق مرارة الشقاء والكدح لينعم الخليفة ويلهو ويبنى القصور ويملأها بالجوارى من كل لون. وتبع الخلفاء المتوكل يقتدون بسيرته السيئة، ما عدا المهتدى والمتقى وكانت مدة خلافتهما قصيرة، وحتى المعتضد الفارس الحازم حزما لا يدانيه حزم يقول عنه المسعودى لم تكن له رغبة إلا فى النساء والبناء، ويذكر أنه أنفق على قصره المعروف بالثريا أربعمائة ألف دينار، وكان مجموعة من الدور والقصور تمتد ثلاثة فراسخ (?)، ثم تكون النكبة الكبرى بتولى المقتدر الخلافة وهو صبى، ويقال إنه كان فى قصره أحد عشر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015