كلما أرادوا منهم أمرا أو أرادوا لهم عزلا، واضطر المتوكل أن ينزل على إرادتهم وأن يبرح دمشق بعد نحو شهرين (?). وعاودته الفكرة، ولكن لا بعيدا، بل قريبا، شمالى سامراء، إذ فكر فى انتقاله إلى الماحوزة على بعد ثلاثة فراسخ منها وأقطع القواد وحواشيه فيها، وسماها «الجعفرية»، وبنى لنفسه فيها قصره «الجعفرى» وقصرا سماه «لؤلؤة» وقصورا أخرى. وفى أثناء ذلك أخذ يجفو الترك ويجيل الآراء فى استئصالهم والاستبدال بهم، وكان أول ما صنعه من ذلك أن ضمّ إلى وزيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان اثنى عشر ألفا من العرب (?)، وكأنه يريد أن يعيد العرب إلى الجيش وقيادته. وترامت شائعات بأنه يريد أن يفتك بحاجبيه وصيف وبغا الكبير وغيرهما من قواد الترك، فعمّموا على مبادرته، وكانت الأمور قد ساءت بينه وبين ابنه المنتصر ولى عهده، فوضع يده فى أيديهم، وعزموا على قتله والتخلص منه، وأعدّوا لذلك نفرا من أصاغر الترك. منهم بغا الشرابى وباغر وموسى بن بغا الكبير فدخلوا عليه هو ووزيره الفتح بن خاقان فى ليلة من ليالى شوال سنة 247 للهجرة، وقتلوهما غير مراعين فيهما عهدا ولا ذمّة (?). ومن حينئذ أصبح للترك كل شئ فى الدولة ولم يعد للخلفاء شئ، وفى ذلك يقول ابن الطقطقى:
«استولى الأتراك منذ قتل المتوكل على المملكة، واستضعفوا الخلفاء، فكان الخليفة فى يدهم كالأسير، إن شاءوا أبقوه، وإن شاءوا خلعوه، وإن شاءوا قتلوه» (?).
واعتلى المنتصر عرش الخلافة بأيدى قتلة أبيه من الترك، بايعوه ثم أخذوا له البيعة من الناس، ولم يلبثوا أن حضّوه على خلع أخويه المعتز والمؤيد من ولاية العهد بعده، وكان المتوكل أبرمها لهما مع المنتصر، فخشى الترك أن يخلفه أحدهما فيبطش بهم ثأرا لأبيه، وتمّ خلعهما. وتوفّى المنتصر بعد ستة أشهر من خلافته لسنة 248 فاجتمع بغا الكبير وبغا الصغير وأوتامش ابن أخت بغا الكبير، وكانوا قد أخذوا المواثيق على من سواهم من قواد الترك والمغاربة والأشروسنيّة على