تحدث فيها عن مناقبهم قائلا: «الترك أصحاب عمد (خيام) وسكان فياف وأرباب مواش، وهم أعراب العجم. . . فحين لم تشغلهم الصناعات والتجارات والطب والفلاحة والهندسة، ولا غرس ولا بنيان ولا شقّ أنهار ولا جباية غلاّت، ولم يكن همهم غير الغزو والغارة والصّيد وركوب الخيل ومقارعة الأبطال وطلب الغنائم وتدويخ البلدان، وكانت هممهم إلى ذلك مصروفة، وكانت لهذه المعانى والأسباب مسخّرة ومقصورة عليها وموصولة بها، أحكموا ذلك الأمر بأسره وأتوا على آخره، وصار ذلك هو صناعتهم وتجارتهم ولذّتهم وفخرهم وحديثهم وسمرهم، فلما كانوا كذلك صاروا فى الحرب كاليونانيين فى الحكمة وأهل الصين فى الصناعات. . .

وكآل ساسان فى الملك والرياسة».

وهؤلاء البدو الموغلون فى البداوة الذين لم يعرفوا بحضارة ولا ثقافة ولا عرفوا بزراعة ولا صناعة ولا تجارة ولا بسلطان ولا بسياسة سرعان ما قبضوا على زمام الحكم، والمعتصم هو الذى هيّأ لهم ذلك لا بجعلهم جند الخلافة العباسية فحسب، بل أيضا باتخاذه لهم مدينة خاصة وجعلها عاصمة الدولة، فأتاح لهم الفرصة كى يخلّى بينهم فى المستقبل وبين الخلفاء، فيصبحوا مسخّرين بأيديهم يصرّفونهم كما يشاءون. وليس ذلك كل ما صنع فقد ولّى كبيرهم «إشناس» مصر وجعل له الحق فى أن يولّى عليها ولاة من قبله، فكان يدعى له فيها على المنابر (?). وبذلك فتح المعتصم الباب لقواد الترك كى يمسكوا بزمام الشئون الإدارية بجانب ما أمسكوا به من زمام الشئون العسكرية. وخلفه ابنه الواثق فزاد الطين بلّة إذ ولّى إشناس من بابه فى بغداد إلى آخر أعمال المغرب، جاعلا له أمر كل هذه البلدان يولّى عليها من شاء بدون مراجعته، واستخلفه على السلطنة وألبسه وشاحين بجوهر (?). وليس ذلك فحسب ما أسبغه على الترك، فقد ولّى على الجانب الشرقى الدولة من كور دجلة حتى خراسان والسند «إيتاخ» (?) حتى إذا تولّى إشناس سنة 230 منعه مرتبته وأكثر أعماله (?). ولم يقف تجنّى الواثق على الخلفاء من بعده عند؟ ؟ ؟ هذا الحد، فقد ارتكب خطأ خطيرا فى حقهم بانصرافه عن اتخاذ ولى عهد بعده للخلافة، وسرعان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015