الواثق ووزيره ابن الزيات وكاتبه الحسن بن وهب، وولاّه الأخير بريد الموصل وسرعان ما وافته منيته. وشعره يفيض بثقافات عصره العربية والأجنبية وخاصة الثقافة الفلسفية والكلامية، واشتهر بأنه صاحب مذهب جديد، يقوم على التدقيق فى المعانى والأخيلة والتعمق فيها تعمقا قد يفضى إلى الغموض، كما يقوم على استخدام ألوان البديع، حتى لا يكاد يخلو منها بيت من أبياته، بل حتى لتتوهج فيها توهجا.
وكثر حينئذ شعراء السياسة والمديج والهجاء، فكان هناك شعراء الدعوة العباسية الذين ينافحون عن العباسيين زاعمين أنهم أصحاب الخلافة الشرعيون، ومن أشهرهم أبو دلامة نديم السفاح وغيره من الخلفاء، ومروان بن أبى حفصة وسلم الخاسر اللذان وجها شعرهما نحو الدفاع عن حق العباسيين فى الخلافة وإنكار حق العلويين فيها والرد عليهم ردّا عنيفا. وكان شعراء الشيعة يدافعون بدورهم عن حق العلويين فى الخلافة، يجهرون بذلك كلما سنحت لهم الفرصة ويخفونه كلما أشفقوا على أنفسهم من العباسيين، ومن أشهرهم السيد الحميرى وكان كيسانى العقيدة لا يرى بأسا فى مديح الخلفاء العباسيين، كما كان لا يخفى حبه للعلويين، وأكثر من تغنيه بمناقب على بن أبى طالب وذمّ قاتلى الحسين وثلبهم.
ومثله منصور النمرى الشيعى الإمامى، وكان يمدح العباسيين ويأخذ جوائزهم ويتفجع على قتلى آل البيت وحقوقهم المهدرة فى الخلافة. ومثلهما دعبل، وكان يعلن تشيعه إعلانا صريحا، وتشكك أبو العلاء المعرى فى صدقه وقال إنه كان يريد التكسب بإعلان تشيعه. وكان ديك الجن مخلصا فى تشيعه، غير أن ما أثر من شعره الشيعى قليل. وكان البرامكة بحورا فياضة، فنظم الشعراء فيهم كثيرا من المدائح، وفى مقدمتهم أبان بن عبد الحميد اللاحقى مترجم كليلة ودمنة شعرا، وأشجع بن عمرو السّلمى، وله قصائد طنانة فيهم وفى انتصارات الرشيد على نقفور إمبراطور بيزنطة. وكان كثير من الوزراء والقواد والولاة يجزلون العطاء للشعراء. فدبّجوا مدائح كثيرة فيهم، على نحو ما يلقانا عند أبى الشيص شاعر عقبة بن جعفر الخزاعى والى الرّقّة بالموصل، وعبد الله بن أيوب التّيمى شاعر يزيد بن مزيد قائد الرشيد، وعلى بن جبلة شاعر أبى دلف العجلى قائد