وإثمه هو والبة، ورحل إلى البادية يتزود من ينابيع اللغة الأصيلة وعاد إلى البصرة ولزم مجالس اللغويين والمتكلمين والقصّاص والمحدّثين وعبّ من الثقافات الأجنبية عبّا. ونزل بغداد وامتدح الرشيد والبرامكة، ورحل إلى مصر وعاد إلى بغداد فاتصل بالأمين. وشعره يجرى فى اتجاهين: اتجاه تقليدى فى المديح والرثاء واتجاه تجديدى فى الهجاء والغزل والمجون والطّرديات، وهو أكثر شعراء عصره مجونا وإفحاشا فيه. ومع إكثاره من الجهر بالفسق والمعصية يردد اعتماده على عفو الله ومغفرته، وهو-غير منازع-شاعر الخمرية على توالى العصور العربية بما ابتكر فى صورها ومعانيها وما أشاع فيها من حيوية دافقة. أما أبو العتاهية فكان نبطيّا ونشأ بالكوفة لأب يشتغل بالحجامة، وكان سيئ السيرة فى صباه إذ انتظم فى سلك المخنّثين، وعمل مع أخ له فى بيع الجرار وصنعها، واختلف إلى بيئات الرواة واللغويين والعلماء والمتكلمين، ولم يلبث أن أتقن العربية وبرع فى الشعر فرحل إلى بغداد ومدح المهدى وتعلق بجارية من جوارى قصره تسمى عتبة ونظم فيها غزلا كثيرا، ومدح ابنيه الهادى والرشيد، ويقبل على الخمر والمجون مفرطا فيهما.

ويحدث انقلاب فى حياته، فيتزهد ويلبس الصوف، ويظل متصلا بالخلفاء والحسن بن سهل وزير المأمون حتى يبرح دنياه. وأشعاره تمثل حياته وما حدث بها من انقلاب فهو فى جانب منها يمدح ويتغزل ويصف الخمر، وفى جانب يتزهد وينثر الحكم مع التفنن فى المراثى، وتشيع فى أساليبه سهولة وليونة مفرطة.

وكان يعاصره مسلم بن الوليد، وهو أيضا ينتظم فى عداد الموالى، وقد نشأ بالكوفة ثم انتقل إلى البصرة، وأكبّ على الشعر القديم وشعر بشار خاصة، حتى إذا لمع اسمه بين الشعراء المجيدين رحل إلى بغداد فمدح الرشيد وقواد الدولة ووزراءها وعمّالها وولاّه بأخرة الفضل بن سهل وزير المأمون بريد جرجان فظلّ بها حتى وفاته.

واشتهر بتجويده لشعره والتدقيق فى معافيه والعناية برصانة اللفظ وجزالته ونصاعته والإكثار من ألوان البديع. وأبو تمام الطائى خاتمة هؤلاء الأعلام. وقد ولد بجاسم، وهى قرية من قرى دمشق، وتفتحت موهبته الشعرية مبكرة، فرحل إلى حمص، ثم إلى الفسطاط، وعاد إلى الشام وتردّد بينها وبين الرّقة والموصل، ثم هبط بغداد، ورحل عنها إلى خراسان، ثم عاد إليها، وتحوّل عنها مع المعتصم إلى سرّ من رأى» ولزم بابه وأبواب وزرائه وكبار رجال الدولة، وظل وثيق الصلة بابنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015