الهجاء بما أشاعوا فيه من روح الاستخفاف والسخرية المريرة والفكاهة السامّة.

وتحولوا بالفخر القبلى إلى فخر شعوبى محتدم. واتسعوا بالرثاء. فرئوا المدن المنكوبة والحيوان والطير. وتفننوا فى الغزل بنوعيه الإباحى والعفيف. وتبذلوا فى شعر المجون والخمر. ونظموا كثيرا فى الزهد. ونفذوا إلى موضوعات جديدة، إذ أفردوا قصائد لتصوير بعض المثل الخلقية أو تصوير الرياض ومظاهر الحضارة العباسية أو بكاء البصر والتفجع على فقده أو وصف بعض الغرائز كغريزة الغيرة أو وصف حياة الشظف والبؤس والمسغبة أو نظم بعض الفكاهات والنوادر. واستحدثوا فن الشعر التعليمى ونظموا فيه كثيرا من التاريخ والقصص والمعارف والنحل المختلفة.

وأكثروا من النظم على الأوزان القصيرة والمجزوءة ونفذوا إلى اكتشاف أوزان المضارع والمقتضب والمتدارك أو الخبب، وإلى أوزان أخرى لم يستخدمها العرب قبلهم، غير أنه لم يكتب لها الشيوع لنقص أنغامها بالقياس إلى الأوزان الموروثة. وعرفوا وزنا شعبيّا هو وزن المواليا. وجددوا تجديدا واسعا فى القوافى ونمط القصيدة، فاستحدثوا المزدوجات والرباعيات والمسمطات. ونظموا صورة تعدّ أمّا للموشحات مما يدل على أنها ترجع إلى أصول سياسية.

وأعلام الشعراء فى العصر بشار وأبو نواس وأبو العتاهية ومسلم بن الوليد وأبو تمام، فأما بشار فكان فارسى الأب رومى الأم، وكان أكمه، وولد على الرّقّ، ونشأ فى البصرة نشأة عربية خالصة، فحذق اللغة وبرع فى الشعر، وكان يجالس المتكلمين وأصحاب المقالات الدينية، فاضطرب بين هذه المقالات وصار إلى الشك ثم إلى الزندقة، واستظهر شعوبية آثمة. وهو يعدّ زعيم الشعراء المحدثين بما رسم لهم من التمسك بأصول الشعر التقليدية والملاءمة بينها وبين العصر ومجتمعه وحضارته وثقافته. وقد أكثر من الفخر الشعوبى الذميم، وأثر فقده لبصره واضح فى غزله فهو فى أكثره غزل حسى يصدر فيه عن الغريزة النوعية صدورا يزرى بمروءة الرجل الحر الكريم مما جعل الوعاظ يذمونه ذمّا شديدا.

وأكثر أيضا من وصف مجالس الخمر والغناء دون رادع من خلق أو دين إذ كان زنديقا وقتل على الزندقة. وكان أبو نواس فارسى الأب والأم، ونشأ مثل بشار فى البصرة، وتحول عنها إلى الكوفة مع شيطان كبير نفث فيه من غيّه ومجونه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015