خاتمة

تحدثت فى هذا الجزء الخاص بتاريخ الأدب العربى فى العصر العباسى الأول عن الحياة السياسية وما اتصل بها من قيام الدولة العباسية وبناء بغداد وسامرّاء واتخاذهما حاضرتين متعاقبتين، كما تحدثت عن غلبة الطوابع الإيرانية على نظم الحكم وما ارتبط بها من دواوين ووزراء وتقاليد مختلفة. وقد مضى العلويون يقاومون أبناء عمهم العباسيين سرّا وجهرا، بينما ضعف شأن الخوارج ضعفا شديدا.

ويعدّ أبو جعفر المنصور المؤسس الحقيقى لدولة بنى العباس، ويخلفه المهدى فيقضى على ثورات الخرمية وترتعد فرائص البيزنطيين أمام جيوشه فى غير موقعة.

ويعقبه ابنه الهادى لمدة قصيرة. ويتولى مقاليد الخلافة بعده أخوه هرون الرشيد، وعصره يعد أزهى عصور الخلافة العباسية، بما شاع فيه من رخاء، وقد محقت جيوشه الخوارج محقا وسحقت البيزنطيين سحقا. ويخلفه ابنه الأمين لسنوات قصيرة، ويتولى بعده المأمون، ويقود حركة عقلية واسعة ينتصر فيها للمعتزلة وقولهم بأن القرآن مخلوق، بينما يقضى قواده على كثير من الثورات، ويقلم أظافر البيزنطيين مرارا، ويخلفه أخوه المعتصم فيقضى على ثورة بابك الخرمى، ويدق أعناق البيزنطيين دقّا فى عمورية وغير عمورية، ويعقبه ابنه الواثق، وبه يختم العصر العباسى الأول.

وكانت بغداد وسامرّاء تحفل بالقصور الباذخة وتكتظ بالثراء، وصبّت سيول منه فى حجور المغنين والشعراء والعلماء، مما أعدّ لنهضة واسعة فى الفنون والآداب والعلوم، وشاع الترف فى الملابس والمطاعم والمشارب كما شاعت أدوات مختلفة للترويح عن النفوس، وكثر الرقيق والجوارى وشغف الناس بالغناء وبضروب مختلفة من الظّرف وتورط كثيرون فى الخمر والمجون. وكان انتصار العنصر الفارسى على العنصر العربى فى الثورة العباسية سببا فى أن تبرز موجة حادة من الشعوبية، ورافقتها موجة حادة من الزندقة، جعلت المهدى ينصب ديوانا لتعقب الزنادقة ومحاكمتهم، ويبعث العلماء للرد على بهتانهم. وتغنّى كثيرون بالزهد ورفض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015