والرغبة فى الإيجاز والاقتصاد فى القول واضحة فى هذا الفصل وخاصة فى كلماته الأخيرة. ولم تؤثر لابن الزيات رسائل شخصية نثرية، وكأنه كان يقدم الشعر على النثر فى هذه الرسائل، لمطاوعته له وسهولته عليه، إذ تروى له كتب الأدب بعض رسائل إخوانية شعرية كان يتبادلها مع بعض أصدقائه وخاصة الحسن بن وهب، وقلما تجاوزت أبياته فيها عدد أصابع اليدين. ويروى أن ابن وهب مرض أياما ولم يأته رسوله ولا تعرّف خبره، فكتب إليه رسالة شعرية يعاتبه فيها، وردّ عليه ابن الزيات برسالة شعرية أيضا، يعتذر إليه متنصلا من علمه بمرضه، وطالبا إليه التفضل بصفحه والتطوّل بعفوه، على هذه الشاكلة (?):

دفع الله عنك نائبة الدّه‍ … ر، وحاشاك أن تكون عليلا

أشهد الله ما علمت وماذا … ك من العذر جائزا مقبولا

ولعمرى أن لو علمت فلا زم‍ … تك حولا لكان عندى قليلا

فاجعلن لى إلى التعلق بالعذ … ر سبيلا إن لم أجد لى سبيلا

فقديما ما جاد بالصفح والعف‍ … وو ما سامح الخليل الخليلا

ويقول صاحب الأغانى إنه كان بليغا حسن اللفظ إذا تكلم وإذا كتب، ويسوق شاهدا على ذلك أنه «جلس يوما للمظالم، فلما انقضى المجلس رأى رجلا جالسا، فقال له: ألك حاجة؟ قال الرجل: نعم تدنينى إليك، فإنى مظلوم، فأدناه، فقال: أبا مظلوم، وقد أعوزنى الإنصاف، قال: ومن ظلمك؟ .

قال: أنت، ولست أصل إليك فأذكر حاجتى، قال: ومن يحجبك عنى وقد ترى مجلسى مبذولا؟ قال الرجل: يحجبنى عنك هيبتى لك وطول لسانك وفصاحتك واطراد حجتك، قال: ففيم ظلمتك؟ قال الرجل: ضيعتى الفلانية أخذها وكيلك غصبا بغير ثمن، فإذا وجب عليها خراج أدّيته باسمى لئلا يثبت لك اسم فى ملكها، فيبطل ملكى، فوكيلك يأخذ غلّتها وأنا أؤدى خراجها».

وتمضى القصة فتذكر أن ابن الزيات ردّ على الرجل ضيعته ووهبه بعض المال ليستعين على عمارتها. وأبو الفرج إنما ساق القصة ليدل على ما شاع عند معاصرى ابن الزيات من فصاحته وبلاغته ولسنه وقوة حجته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015