«أما بعد فقد انتهى إلى أمير المؤمنين (كذا) فأنكره، ولا تخلو من إحدى منزلتين، ليس فى واحدة منهما عذر يوجب حجة ولا يزيل لأئمة (?): إما تقصير فى عملك دعاك للإخلال بالحزم والتفريط فى الواجب، وإما مظاهرة (?) لأهل الفساد ومداهنة لأهل الرّيب، وأيّه هاتين كانت منك محلّة النّكر بك وموجبة العقوبة عليك، لولا ما يلقاك به أمير المؤمنين من الأناة والنّظرة (?) والأخذ بالحجة والتقدم فى الإعذار والإنذار، وعلى حسب ما أقلت (?) من عظيم العشرة يجب اجتهادك فى تلافى التقصير والإضاعة، والسلام».
والقصد إلى الإيجاز واضح فى الرسالة ولكنه إيجاز من درجة ثانية غير درجة الإيجاز عند ابن مسعدة، فإيجاز ابن الزيات لا يتحول إلى ما يشبه التوقيعات والحكم والأمثال، إنما هو ضرب من الاقتصاد فى التعبير، مع الاتساع فى المعنى وبسط أطرافه قليلا، ليحيط بكل ما يدور فى نفس الكاتب، ومع الوفاء برصانة اللفظ وجزالته ومتانته، ومع الدقة فى انتخابه واختياره، دون تكلف لجمال صوتى يجرّ إلى السجع أو إلى الازدواج الذى كان يستخدمه أحمد بن يوسف وسهل بن هرون وأضرابهما من الكتّاب، ومما يصور ذلك عنده ما احتفظ به ابن عبد ربه من بعض فصوله مثل قوله (?):
«إن الله أوجب لخلفائه على عباده حق الطاعة والنصيحة، ولعبيده على خلفائه بسط العدل والرأفة وإحياء السنن الصالحة. فإذا أدّى كلّ إلى كلّ حقه كان ذلك سببا لتمام المعونة واتصال الزيادة واتساق الكلمة ودوام الألفة».
فالفكرة تؤدّى فى عبارة موجزة تلمّ بأطراف المعنى ولكن دون إسهاب أو إطناب، ودون محاولة لتحقيق اللذة الفنية عن طريق السجع والازدواج وما ينحو نحوهما، على شاكلة قوله فى فصل آخر (?):
«إن أعظم الحقّ حقّ الدين، وأوجب الحرمة حرمة المسلمين، فحقيق لمن راعى ذلك الحق وحفظ تلك الحرمة أن يراعى له حسب ما رعاه الله به، ويحفظ له حسب ما حفظ الله على يديه».