عادة الوزراء وأن يلبس الدّرّاعة (?) ويتقلّد عليها سيفا بحمائل، فأجيب إلى طلبه، ويحسّ بإقبال الدنيا عليه، فيفتح أبوابه للشعراء، ويجزل لهم فى العطاء، ومن أهم مدّاحه كما مرّ بنا أبو تمام، وأنشدنا فى غير هذا الموضع بعض أبيات من قصيدته التى وصف فيها قلمه وبلاغته. وكانت قد انعقدت أيام عمله فى الدواوين صلة وثيقة بينه وبين الحسن بن وهب، فلما ولى الوزارة قلّده ديوان الرسائل، وربما كان الجاحظ أهم أديب توثقت به صلته فى وزارته.

وتوفّى المعتصم وولى ابنه الواثق، فظل وزيرا له، ولعل من الغريب أن نجده فى وزارته لهما جميعا يعادى أحمد بن أبى دؤاد المعتزلى المشهور، وكان المعتصم جعله قاضى القضاة واتخذه كما اتخذه ابنه الواثق ناصحا ومشيرا، ودبّ التنافس بينه وبين ابن الزيات، حتى انقلب إلى عداوة وتهاج بالشعر، وكان ابن أبى دؤاد يحرّض الشعراء على هجائه ويصلهم، ويقال إنّ بعض الشعراء هجاه بقصيدة عدة أبياتها سبعون بيتا، فبلغ خبرها ابن أبى دؤاد، فقال:

أحسن من سبعين بيتا سدى … جمعك إياهن فى بيت

ما أحوج الناس إلى مطرة … تذهب عنهم وضر الزيت

وكان ابن الزيات لبراعته فى الشعر يكيل له الصاع صاعين، فاضطرمت العداوة بينهما اضطراما. وكانت فى ابن الزيات قسوة شديدة قلما تؤلف فى أمثاله من الأدباء الذين رزقوا دقة فى الحس، ورهافة فى الشعور، ويؤثر عنه أنه كان يقول: «الرحمة خور فى الطبيعة وضعف فى المنّة (?)، ما رحمت شيئا قط». وبلغ من قسوته أن اتخذ تنّورا من حديد، وجعل فيه مسامير، ليعذّب به المطالبين بالأموال من أرباب الدواوين. وكان فى وزارته للواثق، يتجهم للمتوكل، وحاول أن يصرف الخلافة عنه إلى ابن الواثق، وطمح إلى إنفاذ ذلك بعد وفاته، بينما تحمس ابن أبى دؤاد للمتوكل، فلما ولى الخلافة استوزر ابن الزيات أربعين يوما ليطمئن، وظل ابن أبى دؤاد يغريه به لينكبه، حتى أصاخ له وقبض عليه وطالبه بالأموال، ولم يلبث أن أدخله التّنّور الذى صنعه، وقيّده فيه بخمسة عشر رطلا من حديد، وظل به أربعين يوما يعذّب عذابا شديدا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015