ومضى ابن الزيات يختلف إلى الدواوين وهو يتابع مدارسته لعلوم اللغة والنحو، ويظهر أنه تزوّد منها زادا وافرا، فقد ذكر الرواة أن أبا عثمان المازنى حين قدم بغداد كان أصحابه وجلساؤه يخوضون بين يديه فى مسائل علم النحو، فإذا اختلفوا فى مسألة يقع فيها الشك قال لهم: ابعثوا إلى هذا الفتى الكاتب-يعنى ابن الزيات-واسألوه واعرفوا جوابه، وكانوا يفعلون، ويعرضون ما يجيب به على المازنى، فيرى أنه الصواب الذى يرتضيه، ويشرحه لهم ويقفهم عليه.

وعلى نحو ما كان عالما باللغة والنحو كان شاعرا بارعا، ومرّت بنا فى حديثنا عن الشعر مرثية لزوجه، وهى من روائع المراثى، وله وراءها مراث أخرى فيها وأشعار كثيرة، كوّنت له ديوانا نشر فى القاهرة، ومن يرجع إليه يجد شاعريته فياضة، كما يجد الشعر مذللا له فى المواقف المختلفة التى قد يصعب فيها على غيره ولا يسلس قياده. ويقال إنه لما وثب إبراهيم بن المهدى على الخلافة حين عقد المأمون لعلى الرضا البيعة بولايد العهد، وتطورت الظروف على نحو ما قدمنا ولم يتم أمره استتر خوفا من المأمون وانتقامه، وظل مستخفيا سنوات لا يعرف موضعه، حتى إذا ظهر وعفا عنه المأمون طالبه التجار بأموالهم التى كان قد اقترضها منهم فكان يقول: إنما أخذتها للمسلمين وأردت قضاءها من فيئهم والأمر الآن إلى غيرى، وكان قد اقترض من عبد الملك بن أبان عشرة آلاف درهم، وكان إذا طالبه بماله لقيه بنفس الجواب، فنظم ابنه محمد قصيدة يصور فيها ثورته على المأمون مقارنا بينها وبين ثورة الأمين وما ناله من القتل جزاء غدره ونكثه، حتى يوغر صدر المأمون عليه، ويطير به طيرة بطيئا سقوطها. ومضى بالقصيدة إلى ابن المهدى، فأنشدها له، وقال: والله لئن لم تعطنى المال الذى اقترضته من أبى لأوصلنّ هذه القصيدة إلى المأمون، ففزع إبراهيم وجزع، وقال له متوسلا: خذ منى الآن بعض المال، واجعل الباقى أقساطا، ولا تظهر القصيدة، ووفى كل منهما لصاحبه.

وما زال ابن الزيات يعمل فى الدواوين حتى ولى مقاليد الخلافة المعتصم، فقرّبه منه ولم يلبث أن استوزره، ويقال إنه طلب حينئذ أن لا يلبس القباء (?) على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015