إيصال رقعة إلى المأمون بها، فقال له: اكتب بما شئت، فإنى موصله، فتوسل إليه أن يتولى هو كتابة الرقعة عنه، حتى يكون له فضلان، فكتب عمرو:
«إن رأى أمير المؤمنين أن يفكّ أسر عدته من ربقة (?) المطل بقضاء حاجة عبده، والإذن له بالانصراف إلى بلده، فعل موفّقا».
فلما قرأ المأمون الرقعة دعا عمرا، فأطلعه عليها وجعل يعجب من حسن لفظها وإيجاز المراد فيها، فقال له عمرو: فما نتيجتها يا أمير المؤمنين؟ قال:
الكتابة له فى هذا الوقت بما سأل، لئلا يتأخر فضل استحساننا كلامه، وبجائزة تفى دناءة المطل».
وأكبر الظن أن المأمون لم يستحسن كلام الرقعة لدقة إيجازها وتعبيرها السريع عن مقصودها فحسب، بل استحسنها أيضا للصورة المبثوثة فيها، وكان ابن مسعدة كثيرا ما يعنى بالتصوير فى كتابته على نحو ما مرّ بنا فى رسالته للحسن ابن سهل. وبذلك تحوّل فن الرسائل عنده إلى عبارة موجزة كعبارات التوقيعات وإلى صور نادرة تستهوى القلوب بطرافتها ودقتها فى التعبير عن المعنى الذى يريد تجسيمه. وكان يضيف إلى ذلك رقة فى الشعور، هى رقة الكاتب المتحضر الذى أرهف ذوقه، والذى عوّدته آداب اللياقة الاحتياط فيما يورده على سمع الخليفة والوزير، بحيث ينال إعجابه واستحسانه. ويروى صاحب المثل السائر (?) أن رجلا من بنى ضبّة ضرع إليه أن يشفع له عند المأمون فى الزيادة لمنزلته وراتبه المقدّر له، فكتب إلى المأمون مستشفعا له:
«أما بعد فقد استشفع بى فلان يا أمير المؤمنين-لتطوّلك (?) علىّ-فى إلحاقه بنظرائه من الخاصة فيما يرتزقون به، وأعلمته أن أمير المؤمنين لم يجعلنى فى مراتب المستشفعين، وفى ابتدائه بذلك تعدّى طاعته، والسلام».
وأعجب المأمون بدقة عرضه لشفاعته وإخراجه لها فى معرض التعريض، تلطفا، وإشارة من طرف خفى إلى حرمته منه، وما يختصه بالعطف والحظوة عنده. وبذلك كانت أوكد وسيلة وأوثق ذريعة لإجابة طلبه وشفاعته، مما جعل