وجعل فيها إرغام العدو بعقباها (?)، أضعاف ما كان عنده من السرور بقبح أولاها».

وتأنقه فى العبارة واضح لا بما يجرى فيها من سجع فحسب، بل بما يوفر أيضا فى أوائلها من ترادف النصب مع الوصب والثواب مع الأجر، ليستتمّ الجمال الصوتى. ومن رسائله فى الشكر (?):

«من اتسع فى الأفضال (?)، اتسعت به الأقوال من شاكر مثن، ومادح مطر، ولسنا نصفك بما يعنّ لنا، ويذلّ على ألسننا، مما يتقرّب به ذو الرغبة، ويضرع به ذو الرّهبة، لاستنزال مرغوب، أو استنجاز مطلوب، ولكننا ننطق عن سيرتك بإفصاح، ونبين عنها بإيضاح، فنكفّ شغب الكائد، ونطيل نفس الحاسد».

وسجعه المطرد فى هذه الرسالة ليس معناه أنه كان يسجع دائما، فهو يسجع حينا، وحينا لا يسجع، ولكنه يعنى كما قلنا بالترادف بين الألفاظ والعبارات، على نحو ما نرى فى هذه الرسالة إذ تلا كلمة «شاكر مثن» بكلمة «مادح مطر» وهى بنفس معناها، ليحكم لتعبيره التلاؤم الصوتى والتعادل الموسيقى، وهو ما كان يسميه القدماء بالازدواج، ودائما تتردد أساليبه بينه وبين السجع على شاكلة قوله فى المديح (?):

«لقد أحلك الله من الشرف أعلى ذروته، وبلّغك من الفضل أبعد غايته، فالآمال إليك مصروفة، والأعناق إليك معطوفة. عندك تنتهى الهمم السامية، وعليك تقف الظنون الحسنة، وبك تشنى (?) الخناصر، وتستفتح أغلاق المطالب، ولا يستريث (?) النّجح من رجاك، ولا تعروه النوائب فى ذراك (?)».

وعلى نحو ما كان يتفنن فى المدح والثناء كان يتفنن فى الذم والهجاء، وكان أحيانا يخز فيه وخز الإبر وأحيانا يطعن طعنات مدمية، من ذلك ما كتب به إلى آل سعيد بن سلم (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015