حين تحدثت عن أمراء الطوائف في فصل سابق قلت إنه لم يكن من تفاوت كبير بين تلك الإمارات فيما تنتهجه من نظم سياسية أو إدارية. غير أن التباين الحقيقي كان واضحا في الصيغة الأدبية والعلمية التي انتحلتها كل أمارة، وكان هذا أيضا تابعا لميول الفرد الواحد دون الآخر؛ ولما كان الأدب يومئذ سلعة يصدق عليها مبدأ العرض والطلب، كان نفاقها بمقدار ميل الأمير لها أو حاجته إليها أو قدرته على تقديرها واستساغتها.
ففي الدولة الصمادحية كان محمد بن معن الذي تلقب بالمعتصم بالله والواثق بفضل الله يعقد المجالس يقصره للمذاكرة ويجلس يوما في كل جمعة للفقهاء والخواص فيتناظرون بين يديه في كتب التفسير والحديث، ولزم حضرته فحول الشعراء كأبي عبد الله الحداد - وفيه استفرغ شعره - وكابن عبادة وابن مالك القرطبي والأسعد بن بليطة وأبي حفص بن الشهيد (?) وكان كاتبه ابا محمد بن عبد البر ومن مداحه ابن الطراوة