عن قتله، فرقت له أنفس القوم ولاموا صاحب المنزل على نكران الجميل فلج وأبى إلا ذبحه ليشبع من لحمه الضيفان، وهنا عاد الديك إلى الكلام فاثنى على البدوي سوى محاولة ذبحه وغمز كرمه حين قارن بين هرمات الديوك التي لا يصلح لحمها طعاما وبين لحم الفروج للآكلين.
وفي فصل آخر نراه وقد وصل قرية من القرى المسيحية " دار البطاريق وملغب الكأي والآبريق " ووصف جمالها وجمال سكانها، وحلف القسيس عليهم أن ينزلوا فنزلوا وقد بهرهم جمال الغلمان والجواري فأكرمهم بضروب من البر، ثم ارتحلوا وإذا هم يواجهون كنيسة مهدومة فنظم أبو حفص قصيدة في وصفها. ثم استأنفوا السير فوجدوا قطعانا من السائمة سارحة في المروج، فشرب أبو حفص كثيرا من اللبن " وما زلت أورى هناك بالرائب والميس، حتى كاد كياني ينقلب إلى تيس " وجروا في طرد وصادوا كثيرا من طائر البرك، وعلى صخرة إلى جانب الماء نقش أو حفص قصيدة يصف فيها ذلك اليوم.
ولما عادوا إلى السرى مرة أخرى، تلقاهم شاب جميل يتقلد حساما فأخبرهم أنه منفلت آبق من الحصن ويريد أن يعتنق الإسلام فرارا مما كان فيه. وهذا هو كل ما تبقى من المقامة، وهو ينبئنا لأن المقامة هنا تطلق على قصة " نزهة " ووصف مشاهد وتضمين للوصف النثري بالشعر، وليس وراء مفهومها الظاهري فيما أرى، أية رموز أرادها صاحبها. أما لماذا قدمها لابن الحديدي وهل لها من صلة بالمقدمة عن فن الكتابة وهل يمكن من سياقها كله استنتاج غاية وراء إظهار البراعة البلاغية فتلك أسئلة لا نستطيع أن نجيب عنها.