الحجاج ثلاث قصائد في مدحه. وفي مثل هذه الرسائل والقصائد حرارة الابتهالات، وهي وسيلة للتعبير عن التدين الكامن في النفوس. ولكنها بالنسبة للأندلس الآخذة بالضياع تشبث الغريق بحبل النجاة، وتنفيس عن الحيرة الدنيوية في ظل الأهواء المتنازعة والإمارات المنقسمة، وكلما اشتدت وطأة الحياة السياسية على الأندلسيين ومدنهم أصبح التفاتهم إلى " مصدر الدين " أقوى، وحنينهم إليه أشد، تعلقا منهم بخيط من خيوط الرجاء.
4 - فن المقامات:
في أواخر العصر السابق؟ عصر سيادة قرطبة - وصلت الأندلس مقامات بديع الزمان ورسائله، وكان من أول المتذوقين لها الناسجين على منوالها ابن شهيد، واكثر ما أعجبه فيها تلك القطع الوصفية، ولذلك انشأ على مثالها قطعا في وصف الماء والبرغوث والثعلب والحلوى. وعرضت على أبي المغيرة ابن حزم رسالة لبديع الزمان في الغلام الذي خطب إليه وده بعد ان عذر فعارضها بأخرى (?) ولكن يبدو أن الاهتمام بمعارضة المقامات لم يكن غرضا للكتاب حينئذ، بل إن الاهتمام بمقامات الحريري حين ظهرت كان أشد، إذ أقبل الكتاب على معارضتها ومنهم ابن شرف القيرواني (?) . ولعل سر ذلك راجع إلى الصلة بين بعض الأندلسيين والحريري، فقد وجد منهم من سمع منه مقاماته، ومن هؤلاء أحمد بن محمد بن خلف الشاطبي، سمعها مع أبي القاسم بن جهور في جمادى الأولى