وعرج قبل ذلك على قرطبة، ومن المفيد ان نتصور معه كيف كانت تلك المدينة العامرة قد حالت بها الحال:

" إلا أنها كرداح مستها زمانة، ورعلة أدركتها من السن مهانة، لم يبق فيها إلا رسوم من الحسن، كإنشاء الطرف وان مالت أجفان، وخطوط من الجمال كاعتدال الأنف وان سقطت اسنان، لكنها لم تفارق عطرها، وان كانت بعد عروس، ولا تركت بزها، وان لم تطمع بمسيس، ولا دنست أثوابها وان كانت أسمالاً، ولا عقت شبابها وان تجاوزت اكتهالا؟.. ووقفت بالقصر المرواني، وطفت على المصنع القحطاني، وانتبذت إلى المتنزه العبد الرحماني، فإذا الثلاث الأثافي والديار البلاقع، فأخذت بالشبه في ديار ثمود، اسكب الدموع وأمجد المعبود، فقيل ها هنا كانت قصورهم، وهنالك هي قبورهم، قد صارت مفاصلهم ترابا، ومساكنهم يبابا ".

وهذا القطعة تعد من تلك الوقفات الباكيات التي أثارها زوال العمران الأموي واندثار المجد العربي بقرطبة بسبب الفتنة البربرية. وقد وقف ابن مسلم عند جامع قرطبة، فصور عظمة بنيانه وزخارفه، وهكذا إلى أن بلغته رحلته حضرة المعتضد باشبيلية فأنزله على الإكرام والقبول والبشاشة وزوده بالتحف والهدايا.

وقد أثر الاهتمام بالناحية البيانية في طبيعة هذه الرسائل فحرمها من تصوير دقيق لحياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية وطرق معايشتهم.

والرحلة؟ في داخل الأندلس وخارجها - كانت مصدر أدب غزير طوال القرون، وكان الشوق إلى الرحلة مثيرا لفن من الترسل طريف؛ وإذ كانت رحلات الأندلسيين تحملهم في الغالب إلى الديار المقدسة فقد رأى بعض المتدينين الذين لا تسعفهم حالهم على السفر شيئا من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015