المعروف نقدا، وتابعه سردا ".
تحول ابن أبي الخصال بالموضوع، فأصبح المتحدث فيه هو الزرزور نفسه، وليس شخصا يحتاج شفاعة وتوصية، وإذا هذا المتحدث حين يكلم الناس عن توبته أو يستشيرهم إلى السخاء من أجله، وينال نقودهم عن طريق الوعظ صورة لبطل المقاومة، وهو أيضا ذلك البطل نفسه حين يمزح بين النثر والشعر في نطاق واحد معلنا عن مهارته في هاتين الناحيتين.
ج - رسائل في وصف الرحلات:
التقت الرسالة والمقامة على إظهار هذا اللون الأدبي أي أصبحت كلتاهما قصة طواف ينتقل فيه الأديب من مدينة إلى مدينة ومن حوزة أمير إلى حوزة أمير آخر. ومن خير المقامات تمثيلا لقصة الرحلة مقامة أبي حفص عمر بن الشهيد؟ وستجيء في موضعها - أما الرسائل فتمثلها رسائل لأبي عبد الله محمد بن مسلم سماها " طي المراحل " وخاطب بها ابن أغلب صاحب ميورقة (?) . وهي تشير إلى ذلك القلق الذي كان يحمل صاحبه على مغادرة الوطن، فيطرق أبواب المدن واحدة بعد أخرى. وابن مسلم يصور في هذه الرسائل كيف حملته الأسفار المرهقة سنوات وسنوات: " فجئنا فلانة [يكني عن إحدى المدن] وقد سد بابها، ونام بوابها، والسيل قد طمى، يحمل غثاء أحوى، فلم نشك في أن نفوسنا ذائقة الموت، حتى إذا بلغت النفس التراق، وقيل من راق، وأشعر صاحب الحصن بمكاني، وقص عليه شاني، فأمر بفتح باب المدينة، وآواني إلى دار حصينة، وتقدم بالضرام فأجج،