وتلي قبلة بير زمزم من ورائها قبة الشراب وهي المنسوبة للعباس رضي الله عنه لأنها كانت سقاية الحاج، وهي كذلك له لان فيها يبرد ماء زمزم وتلي هذه القبة العباسية على انحراف عنها قبة أخرى وهاتان القبتان مخزنان لأوقاف البيت الكريم من مصاحف وكتب وشمع وغير ذلك والمسجد الحرام تطيفه به من جهاته الأربع ثلاث بلاطات على ثلاث سوار من الرخام منتظمة كأنها بلاط واحد، ذرعها في الطول أربعمائة ذراع وفي العرض ثلاثمائة ذراع فيكون تكسيره محققا ثمانية وأربعين مرجعا وعدد سواريه الرخامية أربعمائة سارية وأربع وثمانون سارية حاشا الجبصية التي منها في دار الندوة وعند باب إبراهيم.) وللحرم الشريف (أربعة أئمة وكل واحد من الأئمة الأربعة صلاته تحت حطيم له مصنوع من الخشب البديع النجارة، فالمالكية تصلي قبالة الركن اليماني، والشافعية خلف المقام والحنفية قبالة الميزاب في البلاد الآخذ من المغرب إلى الجنوب والحنبلية تقابل ما بين الحجر الأسود والركن اليماني في البلاط الآخذ من المغرب إلى الشمال. ويطيف بهذه المواضع كلها دائر البيت العتيق وعلى بعد منه يسيرا مشاعيل توقد في صحاف من حديد فوق خشب مركوزة فيتقد الحرم الشريف كله نورا، وتوضع بين أيدي الأئمة في محاريبهم وللحرم الشريف سبع صوامع أربع في الأربعة الجوانب وواحد في دار الندوة، وأخرى على باب الصفا وأخرى على باب إبراهيم وللحرم الشريف نيف وأربعون لها أسماء منها باب القائد ويسمى أيضا باب الخياطين وباب العباس رضي الله عنه وباب علي رضي الله عنه وباب بني شبية وباب الرباط وباب الندوة وباب دار المجلة وباب السدة وباب العمرة وباب إبراهيم عليه السلام وباب جزورة وباب جياد وباب غزوة، ومن باب الصفا إلى باب الصفا ست وسبعون خطوة والصفا أربعة عشر درجا، وهو على ثلاثة أقواس مشرفة والدرجة العليا متسعة كأنها مصطبة وقد أحدقت به الديار وفي سعته سبع عشر خطوة، والميل سارية خضراء وهي خضرة صياغية وهي إلى ركن الصومعة التي على الركن الشرقي من الحرم الشريف وفيها يرمل في السعي إلى الملين الأخضرين، وهما أيضا ساريتان خضراوان على الصفة المذكورة الواحدة منهما بازاء باب علي رضي الله عنه في جدار الحرم الشريف وعن يسار الخارج من الباب والميل الآخر يقابله في جدار دار وعلى كل واحد مهما بازاء لوح قد وضع على رأس السارية كالتاج المنقوش فيه برسم مذهب " ان الصفا والمرة من شعائر الله ") الآية (، وبعدها أمر بعمارة هذا الميل عبد الله وخليفته أبو محمد المستضيئ بأمر الله أمير المؤمنين أعز الله نصره، سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. فجميع خطا الساعي من الصفا إلى المروة أربعمائة خطوة وثلاث وتسعون خطوة، وأدراج المروة خمسة وهي بقوس واحد كبير، وسعته سعة الصفا سبع عشرة خطوة والخطوة ثلاثة أقدام، وما بين الصفا والمروة) مسيل (هو اليوم سوق حافلة بجميع الفواكه وغيرها من الحبوب والمبيعات وغيرها. ومكة شرفها الله تعالى هي بلدة قد وضعها الله تعالى بين جبال محدقة بها وهي بطن واد مقدس كبيرة مستطيلة تسع من الخلائق عددا لا يحصيهم إلا الله عز وجل وهي البلد المباركة التي سبقت لها ولأهلها الدعوة الخليلية الإبراهيمية، قال الله عز وجل: " أو لم حرما آمنا تجبى إليه ثمرات كل شيء " فبرهان ذلك فيها ظاهر إلى يوم القيامة، وذلك أن أفئدة الناس تهوى إليها من الأصقاع النائية، والأقطار الشاحطة، فالطريق إليها ملتقى الصادر والوارد ممن بلغته الدعوة المباركة والثمرات تجبى إليها من كل مكان، فهي أكثر البلاد نعما وفواكه ومنافع ومرافق ومتاجر، ولو لم يكن لها من المتاجر إلا أوان الموسم، ففيه مجتمع أهل المشرق والمغرب فيباع فيها في يوم واحد فضلا عما يتبعه من الأيام من البر إلى الدر، ومن الذخائر النفيسة كالجواهر والياقوت وسائر الأحجار من أنواع الطيب كالمسك والكافور والعنبر والعقاقير الهندية إلى غير ذلك من جلب الهند والحبشة إلى الأمتعة العراقية واليمانية إلى السلع الخرسانية، والبضائع المغربية، إلى ما لا ينحصر ولا ينضبط، ما لو فرق على البلاد كلها لا قام لها الأسواق النافقة، وعم جميعها بالمنفعة التجارية حاشا ما يطرأ بها مع طول العام من اليمن وسواها فما على الأرض سلعة من السلع ولا ذخيرة من الذخائر إلا وهي موجودة فيها وهي تغص بالنعم والفواكه